أمنيات عراقية لا تنتهي

21 يونيو 2019
+ الخط -
أفكر أن أكتب عن أمنيات العراقيين، لكنني أصل إلى التأجيل، أملا بأن ينتهي العراقيون من مرحلة التمني والأحلام إلى مرحلة تحقيق الأحلام، أو الكف عن طلب الأمنيات في بلد فيه من الخيرات ما لذ وطاب، ويمتلك مخزونا هائلا من النفط الذي تحول إلى نقمة للشعب العراقي بدل أن يكون نعمة.
النفط وما أدراك ما النفط؟ النفط الذي بسببه أصبح العراقيون غارقين في بحر الأمنيات. وقد أسعفتني الذاكرة ببعض الأمنيات للشعب العراقي، استخلصتها من الماضي القريب إلى وقتنا الحاضر.
الكل يذكر الحرب العراقية الإيرانية التي نشبت عام 1980، حيث خاض الشعب العراقي مأساتها، في وقتٍ لا ناقة له فيها ولا جمل. وذهب ضحيتها الآلاف من أبناء هذا الشعب المظلوم. ونتيجة ذلك، كان واقع حال العراقيين أن يتمنوا أن تنتهي هذه الحرب، لأنها أنهكتهم وأتعبتهم وحرمتهم من أعز الناس لديهم، واستمر هذا التمني "لثمان" سنوات، حيث انتهت تلك الأمنية في الثامن من شهر آب عام 1988.
فجأة، دخل الجيش العراقي الأراضي الكويتية، لأسباب لا علاقة للعراقيين بها، وهو الأمر الذي كان سببا في الحصار الاقتصادي الذي فرضته أميركا على الشعب العراقي الذي عانى ودفع ثمنه من حرمان وجوع وحالة اقتصادية مزرية أدت إلى انهيار الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي. وعاد المواطن إلى أيقونة التمني التي بات يصبح ويمسي عليها، ولسان حاله يقول بالتمني، أن ينتهي الحصار الظالم المفروض علينا، ونعود إلى حياتنا الطبيعية. ونتيجة لدخول العراق للكويت تشكل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، الذي استطاع أن يخرج الجيش العراقي من الأراضي الكويتية، ودفع ثمن هذه الحرب أيضا الشعب العراقي وجيشه الذي تسببت هذه الحرب في انهيار معنوياته بصورة كاملة.
ودارت الأيام، واستمر الحصار الاقتصادي مفروضا، وحال الشعب تستمر بالتردّي. وعاد الأميركان إلى ضرب العراق، واستمر القصف لعدة أيام متواصلة، رافقه هجوم بري أدى لاحتلال العراق من قبل أميركا عام 2003، ولا يزال العراقيون متمسكين بالأمنيات بأن ينجيهم من هذا الكرب العظيم. وكأن الكرب كان على موعد دائم مع العراقيين في أثناء الاحتلال وما بعده، فقد ظهرت تنظيمات مختلفة، تنفذ عمليات قتل وتفجير وتهجير راح ضحيتها أبناء البلد شيوخا وشبابا وأطفالا، والأمنيات لا زالت ترافق العراقيين بأن يدوم الأمان في بلادهم، لأن شبح الموت أصبح يطاردهم حتى في منازلهم. واستمر الحال هكذا، إلى أن دخل تنظيم داعش البلاد، وسيطر على بعض المدن العراقية بقوة السيف وظلم ما استطاع أن يظلم من الشعب العراقي. وبعد ثلاث سنوات من التمني تم التحرير. وها هو الآن المواطن يعود الى خانة تمني الإعمار وعودته من النزوح!
وأخيرا وليس آخرا، ظهر مسلسل الحريق الذي حصد معظم الأراضي الزراعية منذ منتصف مايو/ أيار 2019، ونتمنى أن تنتهي هذه المسرحية الجديدة، لكن هيهات أن تنتهي أمنيات العراقيين.
الأمنية شيء جميل، وهي حق إيجابي مشروع، بأن يصل المرء إلى ما يبغي، ويفكر في التمني وهو يبتسم، إلا أن العراقيين يتمنون والدمع لا يفارقهم وعلامات الحزن لا تفارق محياهم، فمن ينصفهم ومن يداوي علتهم؟ ومتى تموت مسببات تلك الأمنيات؟ متى تموت؟ متى؟
D3F88CA3-6C5C-43B5-A92E-5CAB034CD51C
D3F88CA3-6C5C-43B5-A92E-5CAB034CD51C
عبد العزيز محمود (العراق)
عبد العزيز محمود (العراق)