بعد سلسلة من التقارير "الإيجابية" حول شخص وشخصية رئيس أركان جيش الاحتلال الحالي، أفيف كوخافي، الذي بدأ مزاولة مهام منصبه في مطلع يناير من العام الحالي، خرجت صحيفة "يديعوت أحرنوت"، أمس، بتقرير واسع ادعت فيه الانفراد بنشر "عقيدة كوخافي" القتالية، وخطته متعددة السنوات تحت مسمى "صعود" لترسم صورة جديدة لرئيس الأركان الجديد الذي صورته التقارير السابقة بأنه نباتي، ومحب للموسيقى وهادئ، ليتضح بحسب تقرير أليكس فيشمان أن رئيس الأركان الجديد، متعطش للدماء، ويحمل عقيدة استراتيجية جديدة تقول بتقييم مختلف وحدات الجيش وأدائها تبعا لعدد القتلى برصاص عناصرها، مع الاحتفاظ قدر الإمكان على عتاد الجيش.
وبحسب التقرير، فإن كوخافي يؤمن بوجوب "تدمير منهجي للعدو" بما يعني مئات القتلى يوميا في حال المواجهة العسكرية، خلافا للعقيدة والأداء المتكرر لغاية الآن في تعامل الجيش الإسرائيلي خلال المواجهات المختلفة من العمل على ضرب الطرف الآخر واستنزاف قوته لكسب الوقت.
وأصر فيشمان في رسمه لبروفيل كوخافي، على أن الرجل الذي شغل حتى ديسمبر/كانون الأول الماضي، منصب نائب رئيس أركان الجيش، وقبل ذلك قائد المنطقة الشمالية ورئيساً لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، يحمل عقيدة جديدة تتلخص بقتل المئات، لتكون صورة المعركة ونتائجها واضحة للعيان وتنطوي على تدمير أكثر من 50 في المائة من قوة العدو، سواء كان المقصود مقابل لبنان أم مقابل قطاع غزة.
وأكد فيشمان أن كوخافي ضمّن هذه المبادئ في الخطة متعددة السنوات للجيش الإسرائيلي، بما يعكس ويمثل عملياً التغيير الرئيسي والأساسي في مفهوم العمل وأسلوب القتال لجيش الاحتلال، وعليه قام بإلغاء وتغيير خطط عملياتية كانت معدة مسبقاً لمواجهة "حزب الله"، وكان هو من وضعها عندما كان قائداً للمنطقة الشمالية. مع ذلك قال فيشمان إن "نقطة الضعف الرئيسية لخطة كوخافي الجديدة تكمن في قبول المستوى السياسي لها، وفي تنسيق تنفيذ هذه الخطة مقابل المستوى السياسي". ويأتي هذا القول في ظل تعمّد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لغاية الآن، سواء بفعل انشغاله بالانتخابات وبالملف القانوني الذي يواجهه، أم بفعل تحفّظه على هذا التوجه، المماطلة بطرح الخطة أمام الكابينت (مجلس الوزراء المصغّر) السياسي والأمني والسعي للمصادقة عليها، خلافاً لما كان الحال في الخطة الخمسية لسلف كوخافي الجنرال غادي أيزنكوط المعروفة باسم "غدعون"، والتي ركزت على تقليص مدة الخدمة العسكرية الإلزامية، وخفض أيام تدريبات الاحتياط لصالح تكثيف تدريبات القوى النظامية للجيش، وتعزيز قوة جيوش البرية والمدرعات، واستعادة زمام الردع الإسرائيلي.
وفي ظل ارتفاع العجز المالي في ميزانية دولة الاحتلال، الذي وصل في الأشهر الماضية إلى أكثر من 52 مليار شيقل (نحو 14 مليار دولار)، فإن الخطة التي يحملها كوخافي تلزم رصد مزيد من الميزانيات، خلافاً لخطة "جدعون" لسلفه، كما أنها تلزم القيادة السياسية بتبني عقيدة عسكرية وقتالية وسياسية مغايرة للتي اعتادت عليها في العقدين الأخيرين.
وأوضح فيشمان أن خطة كوخافي ستبقى معلّقة لأنه ببساطة لا يوجد في إسرائيل وحتى نهاية العام الحالي، بفعل الانتخابات المعادة والمقررة في 17 سبتمبر/أيلول المقبل، عنوان للبت في مصير الخطة سوى نتنياهو المشغول حالياً بصراع البقاء وبسيناريوهات تشكيل الحكومة المقبلة، بعد فشله في تشكيل حكومة جديدة بعد انتخابات 9 إبريل/نيسان الماضي على الرغم من تحقيقه نصراً انتخابياً كبيراً.
ووفقاً لتقرير "يديعوت"، فإن الخطة التي يعرض كوخافي إقرارها كخطة عمل للسنوات المقبلة، تدعو على المستوى السياسي للأخذ بالاعتبارات السياسية المختلفة، مثل مسألة تقويض سلطة حركة "حماس" من عدمه، حتى لحظة بدء القتال، وبعدها ينبغي إفساح المجال أمام الجيش لتوجيه ضرباته العسكرية من دون تدخل من المستوى السياسي، وذلك للحد من ضرب نتائج العمليات القتالية، ولضمان ضربات متتالية بقوة ثابتة كي يتسنى تدمير قوة العدو بشكل فعلي. وبحسب الخطة، تتم إعادة القرار للمستوى السياسي لتحديد ما إذا كان يريد الإبقاء على حكم "حماس" من عدمه، بعد أن يكون العدو قد تلقى ضربات موجعة لقوته العسكرية، ويكون عليه بناء هذه القوة من جديد، عندها يكون أسهل على المستوى السياسي اتخاذ القرار. وتعكس هذه العقيدة عملياً مقولة اليمين الإسرائيلي الذي كان يرفع باستمرار شعار "دعوا الجيش ينتصر"، في وجه حكومات اليسار خلال الاعتداءات التي شنّتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
وأضاف فيشمان أن الجنرال كوخافي جمع في الأسبوع الأخير قادة الجيش من الرتب العسكرية العليا، (عقيد وما فوق) لاستعراض خطته التي يُفترض أن تدخل حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني من العام المقبل ويستمر العمل بها حتى العام 2024. ولفت فيشمان إلى أن كوخافي يعتبر أن كلاً من "حماس" و"حزب الله" يمران بعمليات خطيرة (بمعنى تطوير القوة العسكرية) وهو يطلق عليهما تعبير "جيوش الإرهاب"، إذ أشار إلى أنهما يعكفان عملياً على جسر نقاط الضعف لديهما والاستفادة من واقعهما الميداني في القدرة على الاختباء داخل صفوف التجمّعات السكنية المدنية، بموازاة مواصلة بناء قوتهما العسكرية الهجومية، تحت السطح بعيداً عن الأنظار، كتحسين قدرات دقة إصابة الصواريخ والقذائف المتوفرة لديهما، وإدخال تكنولوجيا متطورة نسبياً مثل الطائرات المسيّرة. وضرب كوخافي مثلاً على تحسن قدرات "حماس"، قيام الأخيرة في جولة التصعيد الأخيرة الشهر الماضي بإطلاق 800 صاروخ وقذيفة باتجاه إسرائيل خلال يومين، 500 قذيفة منها أطلقت في اليوم الأول من التصعيد العسكري، مطلع مايو/أيار الماضي.
ورداً على هذه التطورات، فإن خطة كوخافي بحسب ما تذكر صحيفة "يديعوت أحرونوت"، تتضمن تشكيلاً جديداً للقوة العسكرية واستخدامها لضمان تدمير آلاف الأهداف يومياً وسط المحافظة على قوة نيران ثابتة، والسعي لحسم المعركة وتحقيق نتائجها المرجوة في أقصر وقت ممكن وسط استخدام القوة المتوفرة في كل القطاعات والأذرع وفي مقدمتها ذراع السايبر والجيوش البرية والمناورات البرية. وفي هذا السياق فإن كوخافي يؤمن بتعزيز قوة الجيوش البرية ودورها في القتال.
وقد ترجم كوخافي هذه العقيدة من خلال ثاني قرار اتخذه منذ توليه منصبه، وهو تشكيل إدارة لتحديد الأهداف التي ينبغي ضربها خلال حرب مقبلة، ووضع برامج وخطط عملياتية تمكّن من ضرب هذه الأهداف وتدميرها. وكان القرار الأول له هو تعزيز القوة العسكرية المخصصة لمواجهة انفجار مواجهة عسكرية في قطاع غزة ورصد 600 مليون شيقل لهذه الغاية والتزود بالعتاد العسكري والأسلحة اللازمة لذلك.
ووفقا لعقيدة كوخافي الجديدة، في سياق نظرته للعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 ومعارك بنت جبيل، فإن الهدف يجب ألا يكون احتلال بنت جبيل وإنما تدمير قوات العدو داخل المنطقة، لأن احتلال الهدف هو فعل يصيب الوعي لدى الطرف الآخر لكنه لا يشكل حسماً لمعركة ولا نصراً فيها. ومثل هذا الموقف ينطبق على ساحة القتال في قطاع غزة، ويرى كوخافي أنه من دون المعركة البرية وتدمير قوة الطرف الآخر لا يمكن حسم المعركة، تماماً كما حدث في بيت حنون في قطاع غزة خلال عدوان "الرصاص المصبوب" عام 2008.