عاد غني، المولود عام 1949 في إقليم لوجر الواقع في جنوب شرق العاصمة الأفغانية كابول، إلى أفغانستان آتياً من الولايات المتحدة بعد انهيار حكم حركة طالبان في 2001،
بعدما طلب منه العمل كمستشار خاص للمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى أفغانستان الأخضر الإبراهيمي وشارك في تصميم اتفاق بون الذي مهد لتشكيل الحكومة الانتقالية. وبعدما شغل منصب كبير مستشاري الرئيس المؤقت في ذلك الحين حامد كرزاي،
وشارك في الإعداد لمؤتمر لويا جرغا الذي انتخب كرزاي رئيساً، اختير غني ليشغل منصب وزير المالية في الحكومة الانتقالية التي شكلت في عام 2002.
في تلك الظروف، اعتبرت قيادة وزارة المالية في أفغانستان من المناصب الحساسة، فقد كان لكل أمير حرب أفغاني آلاف المسلحين الذين يتقاضون الرواتب والامتيازات المالية، وفق رغباتهم. لكن غني، الذي كان يدرك جيداً أدق تفاصيل الملف الأفغاني، أثبت حزمه في وجه زعماء الحرب، وتحديات أخرى. قصته المشهورة مع وزير الدفاع آنذاك، الرجل الأقوى في جبهة الشمال وفي حكومة كرزاي، الجنرال قسيم فهيم، لا تزال في الذاكرة. يومها كان معروفاً أن كرزاي، الذي حاصره أمراء الحرب وأصحاب القوة والسلاح، يميل لقبول كل ما يقوله فهيم، خصوصاً في ما يتعلق بالمال أو تعيين المسؤولين، لكن أشرف غني كان الشخصية الوحيدة التي وقفت في وجه فهيم وغيره من النافذين، إذ قام بتمزيق طلب وزير الدفاع حول رواتب مسلحيه، وهو أمر أعاد الرئيس الأفغاني التذكير به خلال حملته الانتخابية التي انتهت قبل أيام.
تمكن غني من إثبات قدرته خلال مسيرته السياسية منذ عودته لأفغانستان، خصوصاً بسبب قوته القبلية، إذ ينتمي إلى قبيلة أحمد زاي، كبرى القبائل البشتونية التي تتحدر من قبائل كوشي، البدو الرحل، والتي لا تستقر في مكان واحد، وتتنقل من إقليم إلى آخر بسبب التغيرات المناخية، لكنها تعد من أقوى القبائل في الجنوب الأفغاني. ومن العوامل التي ساعدت غني أيضاً الدعم الذي يحظى به من قبل الدول الأجنبية الحليفة.
استمر غني في منصبه كوزيرٍ للمالية حتى ديسمبر/ كانون الأول 2004، حاصداً خلال ذلك جائزة أفضل وزير للمالية في القارة الآسيوية عام 2003.
وبعد انتهاء الفترة الانتقالية، طلب غني، العمل في مجال التعليم الجامعي داخل أفغانستان، ومن ثم تمّ تعيينه بداية عام 2005 كرئيس لجامعة كابول، أكبر وأشهر جامعات البلاد، حيث استمر في هذا المنصب لمدة عام واحد فقط، أجرى خلاله تغييرات مهمة في الجامعة، مستفيداً من الخبرات التي يمتلكها كونه كان عضواً في هيئة التدريس في العديد من الجامعات الأميركية والأوروبية، كجامعة آرهوس في الدنمارك وجامعة كاليفورنيا فضلاً عن جامعة كابول نفسها.
شغل غني مناصب عديدة، ورشح لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، قبل أن يخوض المعترك السياسي في بلاده من الباب العريض، مرشحاً نفسه في الانتخابات الرئاسية الأفغانية لعام 2009. حينها، لم يحصل الرجل سوى على ثلاثة في المائة من أصوات الناخبين، ليفوز كرزاي بولاية رئاسية جديدة. في ذلك الوقت، تولى غني مناصب مختلفة، منها مسؤولية نقل السلطة من القوات الدولية والأميركية إلى القوات الأفغانية.
في العام 2014، عاد أشرف غني مرة أخرى ليجرب حظه في الحصول على منصب الرئاسة الأفغانية. حينها، كان الأفغان مثقلين من حكم كرزاي، وحجم الفساد فيه، فعلقوا آمالهم على غني كونه يمثل لهم صورة الأفغاني المثقف، وشغل مناصب عالمية مهمة نظراً لعمله نحو عشر سنوات كخبير في البنك الدولي، وفي العديد من الهيئات الأممية في أفريقيا وآسيا. كما كان من بين المرشحين لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة قبل أن يعود إلى أفغانستان عام 2002. والأهم بالنسبة إليهم أن يديه لم تكونا ملطختين بالدماء، بحسب ما كان يردد أنصاره ومؤيدوه، ومن هنا كان المرشح الأنسب لخلافة كرزاي. لكن ما صدم الأفغان في ذلك الاستحقاق، وأثار حفيظتهم، كان اختيار غني لأحد أمراء الحرب الأفغانية، هو قائد المليشيات الأوزبكية الجنرال عبد الرشيد دوستم، نائباً أول له. هذه الصدمة، حلّت خصوصاً لدى البشتون، لأن الرجل عرف بعدائه لهم.
حصل غني في الدورة الأولى من انتخابات 2014 على 32 في المائة من الأصوات، بينما حصل منافسه عبد الله عبد الله على 45 في المائة، ما حتّم التوجه لدورة ثانية بحكم الدستور، والتي حصل فيها غني على 56 في المائة من الأصوات، متغلباً على عبد الله الذي رفض نتيجة الانتخابات. قاد النزاع بين الرجلين إلى ما يشبه المهزلة السياسية، التي لم تنته إلا بتدخل أميركي من خلال تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، التي ستواصل عملها حتى إعلان رئيس جديد.
واجه غني عقبات كثيرة خلال فترة حكمه، منها الخلافات الداخلية مع عبد الله عبد الله، خصوصاً عند تعيين الوزراء، إذ كان تعيين وزير واحد يستغرق أشهراً حتى يتفق عليه الطرفان. كما شكل انسحاب معظم القوات الأميركية والأجنبية في بداية عهده تحدياً كبيراً لحكومته. لكنه استطاع إلى حد ما التغلب على عدد كبير من العقبات، بالإضافة إلى تدشينه مشاريع اقتصادية كبيرة وتصميم بعض سدود المياه، والحملة القوية التي شنّها ضد بعض أمراء الحرب، ومنهم نائبه الجنرال دوستم.
في المقابل، يؤخذ عليه بحسب مراقبين، فشله في مضامير عدة، بسبب سياساته الحادة، وعدم وجود فريق عمل شامل وكفوء بجانبه.
من إنجازات غني أيضاً المصالحة مع الحزب الإسلامي، الذي يعد زعيمه قلب الدين حكمتيار من أبرز المرشحين للرئاسة في انتخابات اليوم، السبت. كذلك سعى الرئيس الأفغاني، أقله بحسب ما يؤكد، للمصالحة مع حركة "طالبان"، لكن الأخيرة رفضت مطلقاً فتح باب الحوار معه، ما قاد إلى تهميشه في مسار الحوار الذي جرى بين "طالبان" وواشنطن.
وفي هذا الإطار، أحدث الحوار بين الأميركيين و"طالبان" هوة في العلاقات بين غني وواشنطن، وتحديداً بينه وبين المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان زلماي خليل زاد، إذ كان متوقعاً تشكيل حكومة انتقالية أو مؤقتة حال نجاح ذلك الحوار، فيما رفض غني هذه الخطوة تماماً، معتبراً الانتخابات والمصالحة مشروعين مختلفين يدعم أحدهما الآخر. لكن بعد فشل الحوار، لم يبق سوى الانتخابات خياراً وحيداً في السياسة الأفغانية، ما أراح الرئيس الحالي.
خلال حملته، لم يركز غني على الوجوه المعروفة وعلى أمراء الحرب، بخلاف منافسه عبد الله عبد الله، وبخلاف ما أقدم عليه هو نفسه في انتخابات 2014، مركزاً عوضاً عن ذلك على الشباب والنساء وقادة وزعماء القبائل المحليين. ومن هذا المنطلق، ثمة من يتخوف من أنصاره من أن ترتد هذه السياسة عليه في النهاية.
يذكر أن غني تلقى دروسه الابتدائية في مدرسة الاستقلال في كابول، والثانوية في مدرسة الحبيبية في العاصمة أيضاً، وتخرج منها في نهاية الستينيات، حاصلاً على منحة دراسية، سافر بموجبها إلى لبنان ليلتحق بالجامعة الأميركية هناك، حيث أكمل مرحلة البكالوريوس والماجستير في العلوم السياسية، وتزوج من اللبنانية رولا سعادة، قبل أن يعود إلى أفغانستان ويلتحق بجامعة كابول مدّرساً للعلوم الإنسانية.
حصل غني على منحة دراسية أخرى عام 1977 إلى الولايات المتحدة، حيث التحق بجامعة كولومبيا، ومنها خرج حاملاً شهادة ماجستير في العلوم الإنسانية، وأخرى في العلاقات الدولية، كما حصل لاحقاً على الدكتوراه من الجامعة ذاتها في العلوم الإنسانية. التحق غني بإحدى الجامعات في باكستان في عام 1985 مدرساً فيها العلوم الدينية ومقارنة الأديان، وذلك لعام واحد.