هدأت "الثورة العونية" بعد التسوية في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء اللبناني، والتي قررت نقل الخلاف إلى جلسة تُعقد يوم الخميس في 23 من الشهر الجاري. يسمح هذا الهدوء بقراءة هادئة لمسار تطور الخلاف السياسي بين التيار الوطني (يرأسه النائب ميشال عون) وحلفائه (أبرزهم حزب الله) من جهة، ورئيس الحكومة تمام سلام وحلفائه ومن أبرزهم تيار المستقبل (يرأسه النائب سعد الحريري) من جهة ثانية.
بدأ الخلاف، بعد إصرار عون على تعيين صهره، قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز، قائداً للجيش اللبناني. يقول عون وحلفاؤه، إن الحريري سبق ووعده بالقبول بهذا التعيين خلال اللقاءات التي جمعت الرجلين منذ أشهر. ويُشير العونيون إلى أن الاتفاق نص على تعيين رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، العميد عماد عثمان، مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي بديلاً للواء إبراهيم بصبوص، مقابل تعيين روكز قائداً للجيش.
في بداية شهر يونيو/حزيران الماضي، طرح وزير الداخليّة نهاد المشنوق اقتراح تعيين عثمان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي، لكنه لم ينل إجماعاً داخل الحكومة، فقام المشنوق بتمديد ولاية بصبوص سنتين لمنع الفراغ بقيادة المؤسسة الأمنيّة. وهنا بدأ "الخوف" العوني من صفقة على حسابهم بالتبلور.
يقول أحد الوزراء لـ "العربي الجديد" إن بند تعيين عثمان لم يأخذ وقتاً طويلاً بالنقاش، وبدا أن المشنوق ليس مستعداً لخوض معركةٍ جديةٍ بهدف تعيين عثمان. في المقابل، فإن الرفض العوني، انطلق من إصرار التيار على تعيين عثمان وروكز في الجلسة عينها، وهو ما رفضه سلام والمستقبل ورئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، بحسب الوزير عينه، وهو وزير "وسطي" رفض ذكر اسمه. ويُشير إلى أن سبب الرفض يعود لعدم ضرب المؤسسة العسكرية، إذ لا يجوز أن يكون هناك قائدان للجيش لمدة ثلاثة أشهر، إذ تنتهي ولاية القائد الحالي للجيش جان قهوجي في شهر سبتمبر/أيلول المقبل. يرفض العونيون هذا المنطق، وبحسب ما يقول أحد المقربين من عون فإن "تمديد ولاية العماد جان قهوجي الذي قام به وزير الدفاع سابقاً، هو أمر غير قانوني". إذاً يرى العونيون أن هناك فراغاً في قيادة الجيش حالياً، وقد عبّر عون عن هذا الأمر مراراً.
اقرأ أيضاً: الخلاف السياسي ينتقل إلى داخل بيت ميشال عون
هكذا، بدأ الابتعاد تدريجياً بين مكونات الحكومة، وتحديداً بين عون والمستقبل. رفع العونيون سقف مطالبهم عالياً، عندما أعلن الوزير جبران باسيل رفض نقاش أي بند على جدول أعمال مجلس الوزراء قبل بت موضوع التعيينات الأمنيّة. امتنع سلام عن الدعوة لالتئام مجلس الوزراء لنحو شهر، قبل أن تُعقد الجلسة التي فجرت الخلاف بعد إقرار الحكومة بنداً من دون موافقة الوزراء العونيين.
ومنذ ذلك الوقت يُكرر العونيون أن تيار المستقبل تراجع عن الوعد الذي قطعه الحريري بتعيين روكز قائداً للجيش. وهذا ما قاله وزراء حزب الله خلال الوساطات السياسيّة التي قاموا بها. في المقابل، تنفي مصادر سلام أن يكون قد حصل أي تراجع في هذا السياق، بما أن "الأمر مرتبط بموعد التعيين فقط، وجميع الوزراء يؤكّدون كفاءة روكز العسكرية". وفي الأساس، لا يملك العونيون جواباً عن سؤال متى أبلغهم تيار المستقبل التراجع عن هذا الوعد، في حين يؤكد عضو تكتل التغيير والإصلاح (برئاسة عون) النائب آلان عون عدم وجود تراجع صريح.
بدوره، يقول أحد الوزراء في الحكومة، إن العونيين شعروا بعدم رغبة تيار المستقبل بتعيين روكز بعد تمديد ولاية بصبوص، لكنه يُضيف أن أياً من الوزراء المستقبليين أعلن بوضوح رفضه للتعيين خلال نقاشات الحكومة. ويُشير إلى أن وصول روكز إلى سنّ التقاعد والتسريح من الجيش في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، قد يكون أحد أسباب استعجال عون. ويشعر العونيون بأن هناك فخاً يُحضّر لهم: ماذا لو رفض وزير تعيين روكز؟ أو غاب التوافق على اسم معين؟ هل سيلجأ وزير الدفاع سمير مقبل إلى الخيار الذي اعتمده المشنوق ويُمدد لقهوجي؟ في هذه الحالة، يكون هامش المناورة العوني ضيقاً بسبب اقتراب موعد تسريح روكز. وفي الوقت نفسه يُكرر مسؤولون في تيار المستقبل في جلسات خاصة أن "المستقبل" سيسير في تعيين روكز.
إذاً، ما هو سبب هذا الصراخ العالي بين هذه القوى؟ يختصر أحد الوزراء الأمر بالقول: "إنها مسألة ثقة. لقد انعدمت الثقة بين التيارين (المستقبل والعوني)، وهذه هي النتيجة".
اقرأ أيضاً: لبنان... ميشال عون وحيداً في حروبه "الكونية"