أزمة اقتصادية تتسع .. وشعوب تحتج

11 مارس 2017
تدهورت الأحوال المعيشية في اليمن (فرانس برس)
+ الخط -

لم تكن الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008 مؤقتة، ولم تكن كذلك كما سموها أزمة مالية تتعلق بحركة الأموال، وإن كان الاستثمار المالي المتزايد مقارنة بالاستثمار الإنتاجي الحقيقي المتراجع يشكل عمق المشكلة.

ورغم مرور ثمانية أعوام على الأزمة، إلا أن الاقتصاد العالمي لم يتعافَ، لأنه مازال يدار بنفس الطرق التي خلقت الأزمة، لاسيما التوسع في الاستثمارات المالية وإهمال الإنتاج، وهذا ما كشفته وعبّرت عنه تقارير "الأمم المتحدة للتجارة والتنمية"، والذي انتقد في جانب منها، زيادة تطبيق السياسات الاقتصادية التي تفرضها منظمات الإقراض على الدول ذات الاقتصاد المأزوم، تلك القرارات تشمل سياسات تقشفية تستهدف تقليل النفقات الموجة إلى خدمات الرعاية الاجتماعية أو بنود الأجور وكذلك نسب الإنفاق العام الموجة بعضها إلى الاستثمارات.

في نهاية العام المنقضي، خفّضت منظمة التجارة العالمية توقعاتها بشأن نسب النمو إلى 1.7%، وتراجعت عن تقديرها المتفائل بنسب نمو تصل إلى 2.8% خلال 2016، وهي أدنى نسبة نمو منذ 15 عاماً، الأمر الذي يعنى أن الأزمة الاقتصادية خلال عام 2017 سوف تستمر.

والمتتبع لنسبة نمو حركة التجارة عالمياً يجد أنها أخذت في التراجع منذ عام 2010، متأثرة بعدة عوامل، منها تراجع النشاط الاقتصادي في عدد من الدول كالصين وروسيا والبرازيل ومنطقة الشرق الأوسط، وازدياد الاعتماد على الأنشطة الخدمية. 

وانعكست الأزمة الاقتصادية على الدول العربية، نظراً لهشاشة البني الاقتصادية فيها، واعتماد أغلبها على مصادر اقتصادية متذبذبة كالسياحة والنفط، مما دفع هذه البلاد إلى ضغط نفقاتها.

ولم تسلم حتى دول الخليج من تطبيق التقشف، بل دفعت أزمة انخفاض أسعار النفط إلى تطبيق تلك السياسات، كما ساهم دخول المنطقة في صراعات مسلحة، لعبت بعض دول الخليج أدواراً فيها، إلى الضغط على معدلات الإنفاق الاجتماعي الموجهة للتعليم والصحة والخدمات. 

وخلال عام 2016 شرعت معظم دول الخليج في تطبيق سياسات التقشف، بل أقدمت بعضها إلى تطبيق سياسات التحرير الاقتصادي وخصخصة بعض القطاعات الإنتاجية.

ولعل أبرز الإحداث الدالة على هذا التوجه الاقتصادي هو إعلان السعودية عن استراتيجيتها الاقتصادية 2030 والتي بدأت بالإعلان عن بيع عدد من الشركات أبرزها 5% من أسهم شركة ارامكو النفطية التي تعد من أكبر الشركات الدولية في مجال الطاقة، وكذلك طبقت سياسات التقشف في الإمارات والبحرين وعمان والكويت والسعودية.

وأثرت سياسات التقشف بشكل فادح على معيشة المواطنين في كل من مصر والسودان التي شهدت أزمات في السلع والخدمات بعض قرارات رفع أسعارها وتخفيض قيمة العملة.

ورغم أن بلدان الثورات العربية انتفضت شعوبها على ثنائية الاستبداد والأزمة الاقتصادية، إلا أن الأزمة استمرت في الاتساع مع تولّي قوى طبقت ذات البرامج التي خلفت الأزمة الاقتصادية وعمقت مظاهرها، من ارتفاع في نسب الفقر والبطالة وتراجع معدلات النمو. 

وفى محاولة للنفاد من الأزمة أقدمت مصر وتونس على الاستدانة من المؤسسات الدولية وتوسعتا في ذلك خلال 2016.

وكما حدث في مصر التي عقدت مؤتمرها الاقتصادي منذ ما يقارب عامين، أقامت تونس مؤتمر اقتصادي في نوفمبر 2016 في محاولة للنفاذ من أزمتها الاقتصادية، وانضمت خلال العام المنقضي الأردن والعراق إلى الدول العربية التي تلقت قروضا ومساعدات من مؤسسات مالية دولية.

وتدهورت الأحوال المعيشية بشكل أكبر في كل من اليمن وسوريا والعراق بعد اتساع دائرة الصراع المسلح وأصبح أكثر من 80% من السوريين فقراء وسادت البطالة في اليمن وسوريا على وجه الخصوص.

إما في أوربا فقد شهدنا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على أرضية أزمة اقتصادية حاولت فيها لندن الهروب من الاتحاد الأوربي والانكفاء على ذاتها، واستمرت أزمة الاقتصاد اليوناني، ورغم الآمال التي عقدها الناخبين على صعود حزب يساري للحكم، إلا إن الأزمة مازالت قائمة.

وعرفت دولا أوربية توسعاً في إجراءات التقشف منها اسبانيا واليونان وايطاليا، وارتفعت معدلات البطالة بدول شرق أوربا، مما دفع مواطنيها للهجرة للدول الأوربية الأكثر ثراء بحثا عن فرصة عمل.

كل هذه الأحداث دفعت الحراك الاحتجاجي ضد الإجراءات التقشفية تبرز في عدد من دول العالم، وهو ظاهرة سوف تتوسع في عام 2017 في ظل توقعات باستمرار الأزمة الاقتصادية خصوصا في الوطن العربي وبعض دول أوروبا.



المساهمون