أريدُ الحياة

03 يناير 2015
أرادت لنفسها عاماً سعيداً (Getty)
+ الخط -

في كلّ عام تُقرّر أنها ربما تقول في نهايته إنها لم تعد تسمع صوتَها في صدرها. ذاك الذي يمحو صوتها ويعلق في حنجرتها حتى تكاد تختنق. لكنها لم تفعل. ظلّت تعد نفسها خيراً. أحياناً تنهار وتعجب بالموتِ، بل تعشقه. لا تجعل من نفسها ضحية بهذا العشق لكنها تمارسه. وحين تعشق الحياة مجدداً، تشعر أن حلمها بات قاب قوسين أو أدنى من التحقّق. يقترب منها كثيراً لكنه لا يلتصق بها. وهي لا تكتفي بالاقتراب.

العام الماضي نجحت في إنجاز أمر ما. كانت على قناعة أن الرقص لا يتطلب أية جهدٍ فكري. لكنه لطالما أنهكها. في سهراتها مع الأصدقاء أو الغرباء تجلس بصلابة. كأن والدتها بقربها تطلب منها أن تقعد بطريقة معينة. لكنها ليست هنا. تغادرها الروح وتحل محلّها قطعة معدنية حجمها أو لونها ليسا ذا أهمية هنا. تسعى جاهدة إلى تحريك أطرافها حتى تنسجم مع الموسيقى. كأنها تتعلّم ذلك في هذه اللحظة فقط. يحدث الأمر في كل مرة تجد نفسها في سهرة راقصة. ترقص كثيراً، لكن يبقى الصوت الذي يطالبها دائماً بضبط إيقاعها. تطرده فيطاردها كذبابة تشتهي دمها.

لكنها رقصت وهذا إنجاز. غنت أيضاً. لم تتوقف عند تفصيل قد يبدو الأهم. ربما صوتها ليس الأجمل. كل ذلك لا يهم. فقد وقفت أمام أناسٍ كثيرين لا تعرفهم. بدأت الموسيقى وغنت. وحين تغني، لا تسمع إلا صوتها. في هذه اللحظة، تحبّ أن تكتب إنجازات عامها، لأنها نجحت في أن تجد نفسها، وهذا نادر الحدوث.

إنجاز آخر ربما تعترف لنفسها به. لم تعد تخجل من جسدها. أحبّت تفاصيله التي كانت ترعبها، وتلك التي خبأتها عن نفسها. كانت تعرفها من دون أن تراها. إنجاز ثالث حققته حين هربت من الصوت، ولو اقتصر الأمر على الجغرافيا فقط. سافرت لتبدأ عامها بل أعوامها الجديدة. ولدت نفسها بالطريقة التي أرادتها. حرة وجميلة. منذ هذه اللحظة باتت تعد إنجازاتها التي تزداد قبل أن يجرفها الصوت مرة واحدة. أتكون رملية وهشة إلى هذه الدرجة؟

قبل نهاية العام، قصدت عيادة الطبيب النفسي. أخبرته عن شغفها بالموت، فقال لها إن الحياة ما زالت تريدك. طلب منها أن تكتب أمنياتها للعام الجديد، وألّا تغوص في التفاصيل. لم تكتب شيئاً. فإن فعلت، ستعود إلى نقطة البداية التي تحولت إلى ورم خبيث. أملى عليها أمنية عرف أنها موجودة في مكان ما في داخلها. "أريدُ الحياة، وأريد نفسي فيها"، ولتذهب التفاصيل إلى الجحيم. ابتسمت. قد تكون الحياة نفسها وبكلّها، قادرة على حمايتنا. وهي أرادت لنفسها عاماً سعيداً.
المساهمون