أروى صالح 2015

09 يوليو 2015
أنهت أروى حياتها منتحرة عام 1997 (مواقع التواصل)
+ الخط -
تملّكني شعور بالحزن اللانهائي وأنا أقرأ كلمات الراحلة أروى صالح وهي تروى مأساة جيل السبعينيات في كتابها "المبتسرون – دفاتر واحدة من الحركة الطلابية". لعل السبب الرئيس لهذا الحزن هو شعوري بتكرار المأساة مع جيل الخامس والعشرين من يناير. نفس السيناريو يتكرر بتفاصيل مختلفة. جيل يؤمن بالتمرد والحلم والمثالية ثم ينكسر ويطحنه الواقع طحناً ويظل منفصلاً عن الزمان.

يعيش في الدائرة التي صنعها لنفسه ويرفض أن يخرج عنها بل، للدقة، يرفض أن يقتنع أن الزمن تجاوزها، كما عبرت أروى ببراعة شديدة ملخصة الألم العميق قائلة: "خصوصية المأساة عند جيل خاض تجربة التمرد، أنه مهما كان مصير كل واحد من أبنائه، سواء سار في سكة السلامة، طريق التوبة والإذعان لقوة الأمر الواقع، وحتى إعلان الكفر بكل قيم التمرد القديم، أو سار في طريق الندامة، الانهيار، اعتزال الحياة، المرض النفسي، فإنه شاء أم أبى لا يعود أبداً نفس الشخص الذي قبل أن تبتليه غواية التمرد، لقد مسّه الحلم مرة، وستبقى تلاحقه دوماً ذكرى الخطيئة الجميلة، لحظة حرية، خفة، لا تكاد تحتمل لفرط جمالها، تبقى مؤرقة كالضمير، وملهمة ككل لحظة مفعمة بالحياة، والفاعلية مؤلمة".


إن الحلم الذي صنعناه لأنفسنا، ثم تاه فجأة في ظلمات الاستبداد والقمع، يأبى أن يفارقنا طيفه. بل يتحول طيفه إلى شبح وهلوسات مزمنة تكاد عقولنا تجن بسببه. أسأل نفسي دائماً سؤالاً متكرراً ولا أجد إجابة، هل نستطيع تجاوز أزمة الهزيمة ونتعامل مع الواقع بعقلانية ونكفّ عن السعي الدائم وراء الأحلام الوردية؟ هل نستطيع أن نتحول إلى أشخاص جدد قادرين على اتخاذ قرارات صعبة من شأنها تحمّل ألم التنازل عن بعض الحقوق من أجل مستقبل أفضل، أو لنقل لمزيد الدقة مستقبل يصلح أن نتعايش معه من دون ألم مستمر لا ينقطع؟ هل نستطيع أن نخرج من دائرة الجنون واعتياد الحزن حد الملل أم أننا كما قالت صالح في وصف جيلها: "نحن أبناء الزمن الذي فقد فيه حتى الحزن "جلاله" صار مملاً هو الآخر، مثل "البرد" مثل "الصداع"، والملل لا يصنع فناً، فقط أناساً مملين".

أسأل نفسي دائماً إذا مد الله في أعمارنا وعاصرنا ثورة جديدة، هل سنتعامل معها كما يتعامل جيل السبعينيات مع ثورة يناير؟ كم سخطنا على ردود أفعالهم، كم وصفناهم بالمهزومين والمأزومين! هل ستتكرر النسخة والمأساة وتكتمل دائرة الجيل المأزوم؟! لم أجد إجابة حتى الآن. فربما نستطيع التجاوز ولا نكرر أخطاء الماضي.

وسط هذه الحيرة، أتذكر أن أروى أنهت حياتها منتحرة عام 1997 بعد أن ضاقت بالدنيا وما فيها. وأتذكر أيضاً أن "زينب مهدي" الشابة الرقيقة النقية بنت جيلنا أنهت حياتها منتحرة عام 2014 بعد أن ضاقت أيضاً بالدنيا وما فيها. يبدو أننا نكرر المأساة بحذافيرها، ونسير على الطريق بخطى ثابتة إلى زنزانة الأحلام الضائعة.

(مصر)
دلالات
المساهمون