أخرجت يدي وأطفأت المصباح

31 ديسمبر 2016
(دانغ خوان هاو، 2015)
+ الخط -

كانت أمي توصينا بما أوصتها به أمها، ألا نرفع أصواتنا في الحمام، ولا نسكب الماء دون تسمية كي لا تتأذى مخلوقات لامرئية.. وإذا كان إرضاء الناس غاية لا تُدرك، فإن إرضاء تلك المخلوقات غاية تدرك؛ إذا احترمنا خصوصيتها ونبهناها لزياراتنا المتكررة للحمّام مستعينين بالقدم اليمنى والبسملة.

تشكّلت لدي قناعات خاصة بعيدة عن عوالم أمي وجدتي التي كانت تحذرنا دائما من خطورة البقاء في "الخلاء" أو الصحراء وخصوصاً ليلاً، إذ ثمة مخلوق أنثوي بحجم الإبرة يختفي في الصحراء وما إن يرى الآدميين حتى يكبر فيصبح امرأة ترتدي البياض تسمى "العامورة".

لكن سرعان ما تتدافع تلك القناعات من الجزئين الأيمن والأيسر في عقلي إذا ما مررت بلحظة خوف، فتطاردني مخلوقات أمي اللامرئية وعامورة جدتي ويتواطؤون مع مثانتي التي تشكل التهديد الفيزيائي الأكبر لدفعي للذهاب إلى الحمام واستذكار تلك المخلوقات والرضوخ لشروط احترامها، فأبدأ التسمية والمعوذات لأنبهها بوجودي علَّ قلوبها الشفافة أصلا ترقّ لمآلي.

وفي ليلة ماطرة من يناير/ كانون الثاني 2015، كنت في زيارة لكاتب كوبي صديق في منزله في ريميذيو، وهي بلدة صغيرة تبعد 4 ساعات بالسيارة عن العاصمة الكوبية هافانا. عيناي الفضوليتان كانتا تتفقدان البيت المليء بتماثيل ملائكة وقديسين معلقين على الحائط. على الأرض كانت بعض الأواني بجانب الباب الرئيسي. سألته: ما هذه الأواني. قال: أموات..

كان لويس مانويل يمتلك من الحساسية ما جعله ينتبه بسرعة للخوف الذي داهمني. قال بسرعة مصححاً كلامه: أقصد أرواح. قلت له دون أن أنسى اختلاف ثقافة الموت بيني وبينه: أرواح آدميين. قال لا: أرواح ديكة أو خنازير. وشرح لي أن دماء الحيوانات مادة أساسية في إعداد الأحراز التي يجهزها العرّاب خيلبيرتو.

طلبت أن أقترب من الأواني فأخبرني أن علينا استئذانها أولا، وهكذا نقرنا على البلاط وسلمنا عليهم وطلبنا منهم صورة تذكارية، وأخبرني مانويل أنهم وافقوا على ذلك. فشكرتهم وصورتهم وودعتهم. كان فندقا صغيرا ذلك الذي أسكن به وعلى بعد مربعين من منزل لويس. والفندق أصلا كان بيتاً حوّله أصحابه إلى فندق. طلبت من لويس أن يرافقني للفندق مشيا. وما كان ليدعني وقد رأى تحوّل لون وجهي خوفاً. فتحت صاحبة الفندق الباب وسألتها مباشرة إن كان لديها أرواح في الفندق أو الغرفة. أجابت بالنفي.

كان الخوف قد بلغ مني مبلغاً، فليس هناك اتصالات خارجية لأكلم أحدا من عائلتي فأخرج من نطاق الأرواح الذي حاصرني، أما الإنترنت في كوبا فهو شبيه بالرفاهية التي تستمتع بها "بقرات زبدة لورباك من الدنمارك".

وهكذا وبسرعة، نزعت بعضا من ملابسي دون أن أستبدلها. وأصبح قميص الخروج الطويل قميصا للنوم. ألغيت فقرة الذهاب للحمام تماما، وغرزت كامل جسدي في السرير. وبعد أن أصبح رأسي بالكامل تحت اللحاف، أخرجت يدي لأطفئ المصباح. ونمت.


المساهمون