يختار الفنّان التشكيلي التونسي أحمد الزلفاني في معرضه الجديد كلمة Numen اللاتينية التي تشير إلى القوة والإرادة الإلهية، لتكون عنواناً لمجموعة أعماله التي يضمّها "غاليري القرجي" في مدينة المرسى بالقرب من تونس العاصمة حتى نهاية الشهر الجاري.
يتحرّر الزلفاني قليلاً هذه المرة، من سطوة اللونين الأبيض والأسود اللذين هيمنا على أعماله السابقة، خصوصاً في معرضه الأخير، الذي كان يبدو من خلاله يترصّد الأشخاص وظلالهم، فيدخل هنا الأزرق والأحمر والبرتقالي.
لكن الفنان التونسي يظلّ مفتوناً برسم شخصيات عملاقة، تبدو عادية مأخوذة من الشارع لكنها طويلة وطاغية بعضها يرتدي تفصيلاً من الأزياء التونسية التقليدية وتظهر بأقل التفاصيل وأكثرها تقشفاً، ثمة حرص على أن تظل الألوان قليلة وأن تساعد في تطويل الـ "فيغر" وجعله ممتداً على مساحة الكانفاس ومسيطراً على من ينظر إليه، رغم أن الرؤوس تبدو ضئيلة جداً مقابل مساحة الجسد الكبيرة في الأعمال.
كلّ الشخصيات وحيدة في الأعمال، حريصة على التعبير عن ذاتها من خلال ملابسها، هنا رجل يرتدي الحمالات وينظر بغرابة في عين المتلقي مباشرة، هناك امرأة ترتدي العباءة البيضاء على كتفيها فتزيد من ضخامتها وطولها وتنظر أيضاً في عين من يراها.
ثمة امرأة نائمة بفستان أزرق، تبدو كأنها خرجت للتو من لوحة لـ ماتيس لتأخذ مساحة أكبر في عمل الزلفاني، ثمة امرأة أخرى بثوب أحمر، وأخرى متوارية خلف الباب وتضع يدها على صدرها كأنها خائفة مما ترى.
الشخصيات متشابهة الوجوه الرجال والنساء منها، كلّها غامضة أيضاً ومسيطرة وتراوح بين الضوء والعتمة بين الوضوح والالتباس، يساعدها في هذا الحضور الطاغي اختيار الكانفاس العمودي الكبير، فحين ندخل إلى المعرض تبدو الشخصيات كلها أكبر منا وواقفة بيننا.