أحمد أبو غوش: الحدود تتلاشى

25 اغسطس 2016
(أبو غوش لحظة فوزه، تصوير: لورنس غريفيثس)
+ الخط -

ربّما يحسُدُه زملاءُ دراستِه في الجامعة وأبناءُ الحي، وأصدقاء الطفولة، وأصحابُ البِذَل والمال والنّفوذ، لكنّ الكل يحبّه. أحمد أبو غوش (1996)، المتوّج، أخيرًا، بأوّل ميدالية أولمبية للأردن، صارَ صانع الذّهب، وبطلًا، ليس كرتونيًا هذه المرّة كما تعوّدنا أن نتخيّل في طفولتنا، ولا بزيِّ عسكريٍّ فارغ من الإنجازات، بل من لحمنا ودمِنا. هذا الدّمُ، الذي بات تحت وقع الصّراعات التي نعيشها، متفرّقًا بين الهويّات والطوائف، خرجَ لنا أبو غوش ليوحّده مجدّدًا.

أن نبحثَ في انفصال الرياضة عن السياسة أمرٌ مضنٍ؛ فلطالما حَملت الريّاضة إرثًا سياسيًا كبيرًا، وأخفت في ثناياها شكلًا من النّزاع السّلمي بين الأطراف المتنافسة، ليس ابتداءً بأولومبياد برلين (1936) الذي أراد له النظام النازي أن يكون دعايةً عالميّة له، ولا انتهاءً بمباراة لاعب الجودو المصري إسلام الشهابي أمام "خصمه" ساسون آور.

ويمكنُ أن نلمَسَ ما تحملهُ الرياضةُ على عاتقها في أن تكون نافذةَ الشعوب العربيّة على وحدتها وتضامنها. فعودةٌ بسيطةٌ في التاريخ، تذكّرنا كيف دفعَ المنتخب الجزائري لكرة القدم (مونديال 1982) ملايين العرب إلى الشوارع، ابتهاجًا بفوزه على ألمانيا.

وكيفَ أبكانا السعودي سعيد العويران (مونديال 1994) فرحًا، بتسجيله هدفًا أهّل السعودية للدور الثاني، بعد أن شق الملعب ملتهمًا خصومه. مثلهُم وحّدت البطلة السورية، غادة شعاع، مشاعر العرب من المحيط إلى الخليج، عندما انتزعت ذهبَيّة ألعاب القوى في أولمبياد أتلانتا (1996)، العام الذي وُلدَ فيه أبو غوش.

يأتي إنجاز أبو غوش، بعد أيامٍ قليلة من الجدل الواسع الذي أثاره اللاعب المصري إسلام الشهابي، الذي قسم الشارع العربي، بين مؤيدٍ لفكرة رفضهِ مصافحةَ خصمه الصهيوني، وبين من رأى أن تصرّفه لا يعدّ سوى محاولة لإصلاح ما كسره، وما يمثله قبوله لمبارزة خصمه، من اعتراف بشرعية وجود "إسرائيل".

كما يأتي بعد أقل من يومين من تداول ناشطين عرب، لصورة تظهر جماهير فريق "سيلتك" الاسكتلندي وهي ترفع أعلام فلسطين أمام فريق صهيوني ضمن منافسات دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، وما لقيه هذا التصرف من حفاوةٍ عند المشاهد العربي، الذي شعر لأول مرة منذ مدة ليست بقصيرة، أن قضيّة فلسطين ما زالت تحتل مكانةً عند شعوب العالم.

صبيحة تتويج أبو غوش، عنونت صحيفة صهيونية: "فلسطيني من جذور إسرائيلية يمنح الأردن أول ميدالية أولمبية". هكذا وبكل استسهال، تتلاعب الصحافة العبرية بتاريخ وجغرافيا وتركيبة شعوبنا ومنطقتنا، محاولةً استغلال حدثٍ رياضيّ لصالحها بأي صورة ممكنة.

إلّا أن النظر من جانبٍ آخر للموضوع، يؤكّد أن هذا التّضامن الشعبي بين العرب، ما زال يؤرّق صنّاع القرار لديهم، حتّى لو كان بالنّسبة إلينا عادةً افتقدناها لوهلةٍ، وعاودناها في أوّل مناسبة، عندما عانق الجزائريّ مصريًا احتفاءً بفوز البطل الأردني.


(الأردن)

المساهمون