أبو كيس

17 سبتمبر 2014
أليس الجميع مساهماً في ثقافة ترهيب الصغار؟ (الأناضول)
+ الخط -

ترتجف ساقا الصغير وهو يقترب من اللوح، وقد نادته مدرّسته بنبرة خشنة. "لماذا لم تحفظ درسك؟ أعطني سبباً وجيهاً كي لا أرسلك إلى غرفة الجرذان وأضع اللبن على أذنَيك!". يشهق ابن السنوات الخمس وهو يتوسّل "الآنسة" ألا تفعل. لكنها تعاود التهديد.

يسود الصمت غرفة الصف. هل ستنفّذ تهديدها هذه المرّة؟ ويعلو صوتها من جديد: "توقّف عن البكاء وأعطني سبباً"... لكن دموعه تلعثمه، فيعجز عن الإجابة. وتمرّ أمامه مشاهد يرى فيها الجرذان، وهي تقضم أذنَيه المغطاتَين باللبن.

يتبوّل على نفسه. وتخرق ضحكاتُ زملائه وهمسهم الصمتَ السائد.

لم يصوّر أحد هذه الأحداث، لا بهاتف ذكيّ ولا بجهاز لوحيّ. لكنها أحداث وقعت. قد يختلف بعض عناصرها أو قد يختلف تاريخها أو قد يختلف أبطالها... إلا أن كثرين يتذكرونها. فهم إما شهِدوها أو شهِدوا ما يشبهها، أو حتى خبِروها. ومن الذين خبِروها، أشخاص قد يكونون احتُجِزوا بالفعل في غرفة مظلمة في طفولتهم، وراحوا ينتظرون الجرذان التي ستقضم آذانهم.. مع لبن أو من دونه.

ونستهجن اليوم كيف يهدّد أحدهم أطفالاً صغاراً بالذبح أو بقطع اليد. بالتأكيد، لا بدّ من الاستهجان والإدانة والشجب. لكن أليس الأمر "تطوّراً طبيعياً" لثقافة غرفة الجرذان والأذنَين المُغطاتَين باللبن، ومثيلاتها؟

كم مرّة توعّدت أمٌ صغيرَها بقطع إبهامه إذا لم يكفّ عن مصّه أو قطع لسانه إذا استمرّ بالتفوّه بكلمات مسيئة؟ كم مرّة هدّدت جدّة أحفادَها الذين ضاقت بهم ذرعاً بـ"أبو كيس"، الذي سيضعهم في كيسه ويأخذهم بعيداً إن هم تشاقوا أكثر؟ كم مرّة حذّر أبٌ صغيرَه بأنه ذاهب إلى النار لا محالة وسيُشوى هناك، لأنه كذب؟ كم مرّة أنذرت أمهات صغارهنّ بأنهنّ سيهجرنهم إذا لم يطيعوهنّ؟

ويُفاجأ الجميع بأحدهم وهو يهدّد أطفالاً صغاراً بالذبح. عجباً! أليس الجميع مساهماً في ثقافة ترهيب الصغار؟ أليس الجميع شريكاً في الجريمة؟

يُفاجأ الجميع بتهديد أطفال بالذبح، في زمن يتكرّر فيه قطع الرؤوس ونسمح لصغارنا بالمشاهدة وليس فقط باختلاس النظر. وكأن ثمّة فارقاً بين أن نهدّدهم بذلك، وبين أن ندعهم يتابعون أخبار النحر ومشاهده.

الصغير نفسه ابن السنوات الخمس، تغيّب عن المدرسة في اليومَين التاليَين، بسبب ارتفاع مفاجئ في الحرارة. وعندما عاد، حاول التصرّف كأن شيئاً لم يكن، لا بل أكثر. راح يتنمّر على رفاقه. لكن مذ ذاك الحين، وبعيداً عن أنظار أقرانه و"الآنسة"، لا تنفكّ الكوابيس تؤرقه وكذلك التبوّل اللاإرادي. فما يحاول كبته في النهار، يفجّره لاوعيُه ليلاً.
المساهمون