أبو تريكة ومصادرة الفرح
أبوتريكة الذي قدم لمصر الكثير، وجاء لها ببطولات عديدة، ونال حب العالم العربي بأخلاقه الرفيعة، وقدم للنادي الأهلي وجمهوره ما لم يقدمه لاعب سابق، كان جزاؤه من ناديه التجاهل، لأنه جاهر بانتخابه الرئيس محمد مرسي، فمصادرة ماله لم تكن أولى العقوبات، فقد حرم هذا اللاعب الخلوق من مباراة اعتزال، كما يتم مع كل اللاعبين، ولم يعترض، ولم يهاجم اتحاد الكرة، أو يطالب النادي بهذا الحق، بل صمت في عزة وابتسامة، تنم عن أخلاق يندر وجودها.
يلقي قرار التحفظ على أموال أبوتريكة الضوء، مجدداً، على مئات القوانين التي فاقت سوء السمعة، لتصبح قوانين فاشية تحجر على الأفكار وتقتل معتنقيها، وتقتل التعددية وتدفع بالشعب إلى فقدان أي بصيص أمل في الإصلاح، فيكون الانتحار من بدائل الخروج من جحيم العسكر، تلك القوانين التي تصدر بإرادة الديكتاتور المنفردة، وبمخالفة الدستور الذي كتبه الديكتاتور نفسه. ومن كانوا يهاجمون الرئيس المنتخب، بحجة أنه يمتلك التشريع فترة لم تتجاوز أسابيع، حتى تم نقلها إلى مجلس الشورى المنتخب، لم يزعجهم صدور قوانين بالجملة مخالفة للمواثيق الدولية والدستور، طوال عامين من شخص واحد وبإرادة منفردة.
ولقد قابل التحفظ على أموالٍ، يعرف الجميع مصدرها، عدم رد أموال شهد القضاء بجمعها من رشى وفساد بيّن، وما قصور حسني مبارك ببعيدة، وكذا أحكام البراءة التي نالها رجاله، ليتمتعوا بما نهبوه من أموال الدولة، في حين يتم التحفظ على أموال الشرفاء.
والسؤال المحير: كيف تجرأت قيادة الانقلاب على إصدار هذا القرار لشخص له شعبيته الجارفة، وله رصيد كبير من الحب في قلوب المصريين، خصوصاً مع ما يواجهونه من فشل وأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية؟ هل هو من قبيل قرارات إشغال الرأي العام عن مصائب أخرى في طريقها إلى الشعب المصري؟ أم أنه نوع من تزييف وحذف كل ما هو جميل من تاريخ مصر، كما فعل أحد وكلاء وزارة التربية والتعليم بإحالة مدير مدرسة إلى التحقيق، لأنه شاهد لوحة تذكارية تاريخية لرؤساء مصر، فوجد منهم الرئيس محمد مرسي، فكان النقل جزاءً للمدير، ولربما فعل ذلك، إذا وجد لوحة رياضية فيها صورة أبوتريكة؟ أم أنه نوع من تأكيدهم أن شرعيتهم في بندقيتهم وما ينالونه من دعم خارجي، والشعب ليس له وزن ولا قيمة، عند اتخاذ أي قرار مهما كان، أم أنه قرار لم يتم دراسة عواقبه، وقد يتراجعون عنه؟
الحملة الإلكترونية الكبيرة التي قابلت قرار النائب العام برفض ما صدر بخصوص أبوتريكة، وتصدر أكثر من هاشتاغ في موقع (تويتر) من قبيل (أبوتريكة فخر لمصر)، (أبوتريكة حبيب الملايين)، مع اشتراك زعماء ومفكرين في الحملة، تؤكد أن حب هذا اللاعب تجاوز حدود مصر، ليصل إلى العرب جميعاً.
على من يصادر الأموال أن يصادر، في الوقت نفسه، الفرح الذي رسمه أبوتريكة على وجوه المصريين وخطفها الانقلاب، وأبدلها بتعاسة ودعوات للانتحار. قد تكون مصادرة أموال هذا اللاعب الحبيب لقلوب المصريين القشة التي تقصم ظهر الانقلاب، فهم يقفزون على فشلهم في إدارة الدولة، ونقص مواردها، بمصادرة أموال الشرفاء، وليتمتع الفاسدون بما غنموا فليس عليهم حرج، فرجال الأعمال المتهربون من الضرائب، والذين اعترفوا في أثناء حكم مرسي بحق الدولة، وتعهدوا بردها، جاء الانقلاب، ليرد إليهم ما دفعوه، وليعطيهم صك البراءة، ولتكن أموال أبوتريكة وأمثاله بديلاً مقبولاً ومباحاً من وجهة نظرهم. ولن يستطيع الانقلاب أن يصادر رصيد الحب لأبوتريكة في قلوب الملايين، ولن يستطيعوا أن يمحوا تاريخه المشرف، فلينعم أبوتريكة بهذا الحب، وهذا التاريخ.