آلات توزّع القصص والكوكاكولا

20 أكتوبر 2015

آلة لتوزيع القصص القصيرة

+ الخط -

في معظم بلدان أوروبا، الشعوب تقرأ إجمالا. مهما كان مستواها الاجتماعي والتعليمي، هي تقرأ بشكل عام. كلما توفرت لها فسحة وقت، فتحت كتاباً، أو جريدة أو مجلة، حتى ليتمكّن الراكب في وسائل النقل العامة، حافلة المترو مثلاً أو الباص، من أن يكوّن فكرة عن أهم الكتب الصادرة حديثاً في دور النشر، أو أقلّه عن الأكثر رواجاً وانتشاراً، وأن يطّلع على آخر المستجدات من الصحيفة التي يطالعها الراكبُ بجواره أو قبالته.

ومع ذلك، لا يوفر الأوروبيون جهداً في ترويج الكتب والمنشورات، لا لغرضٍ تجاري بحت، كما قد يتبادر إلى أذهان كثيرين منا، وإن كان ذلك صحيحاً، وإنما خصوصاً لضرورة الحفاظ على إيقاع نموّ الثقافة في بلدانهم، ودفعها مزيداً إلى الأمام، من خلال ملامسة الأجيال الشابة واستمالة المزيد من القرّاء وجلبهم.

على سبيل المثال، آخر بدعة أوجدتها دار نشر فرنسية، تدعى شورت إديشن، وأقنعت بها بلدية إحدى كبريات المدن الفرنسية (غرونوبل)، لمحاربة ملل الانتظار في مكان ما، أو تفادي الاكتفاء بالتحديق في هواتفنا الذكية، هي تصميم صناديق موزّعة للقصص القصيرة، وهي سابقة في عالم النشر في فرنسا وأوروبا، على حد ما صرّح رئيس الدار، كريستوف سيبيود، لوكالة الصحافة الفرنسية، حيث قال "جاءتنا الفكرة، ونحن أمام الآلات الموزّعة لألواح الشوكولا والمشروبات، فقلنا إن بإمكاننا القيام بالأمر نفسه مع أدب شعبي ذي مستوى رفيع، لملء أوقات الفراغ الميتة".

أجّرت بلدية غرونوبل آلات توزيع القصص القصيرة هذه، التجريبية، لعام، ووزعتها على مباني البلدية، المكتبات العامة، مكاتب السياحة، والمراكز الاجتماعية. وتوزّع هذه الآلات التي يبلغ ارتفاعها متراً، ولا شاشة لها، وبشكل مجاني، شرائط ورقية أشبه بفواتير السوبرماركت، عرضها 8 سنتمترات، طُبعت عليها قصص قصيرة، شرائط مصوّرة أو قصائد. الأعمال هذه تتوفر أيضا على شبكة إنترنت، أو على شاكلة تطبيقات يمكن تحميلها على الهواتف الذكية، وهي تتضمن إلى اليوم نحو خمسة آلاف كاتب، وتعدّ ما يقارب 140 ألف مشترك. على لوحة التحكم، ثلاثة أزرار يمكن الاختيار ما بينها، الأول لطلب قصة تدوم دقيقة. والثاني لقصة تدوم ثلاث دقائق، وطول شريطها الورقي 60 سنتمترا. والثالث لقصة تدوم خمس دقائق، وطول شريطها الورقي ضعف السابق.

نشكو دائماً من أن الشعوب العربية لا تقرأ. نشكو من أن الكتاب سلعة ترف يصعب وجودها في أيدي من يعيشون دون خط الفقر، أو فوقه بقليل. نشكو من الجهل، ومن التفات شبابنا عن القراءة إلى وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع إنترنت وسواها. لذا، فإنه من الممكن تعميم خطةٍ كهذه، وضع آلات موزعة للقصص القصيرة والنصوص والقصائد، جنبا إلى جنب مع صناديق الكوكاكولا والسكاكر والمياه. سيكون الأمر بسيطاً، كمقبّلات نقدمها لفتح شهية القراءة. غذاء للعقل إلى جانب غذاء البطن. أجل، بهذه البساطة والسذاجة والتلقائية، تماماً. ولتوضع في الأماكن التي يرتادها الشباب، وأناس من جميع الأعمار.

للجميع الحق في القراءة، ولا بأس من أن يقرأ من يفك الحرف لمن لا يجيد فكّه. لتوضع في المجمعات التجارية، في الإدارات الرسمية، في الأماكن العامة، كالمطارات والمستشفيات والفنادق. وحتى في المدارس والجامعات. لم لا؟ تصوّروا سيدة تقرأ قصة قصيرة ليحيى حقي، فيما هي تنتظر دورها أو وصول صديقتها، صبياً يقرأ من ألف ليلة وليلة، وآخر يمسك مقالة أدبية لأمين نخلة، قصيدة لبدر شاكر السياب أو لغسان زقطان...  اللائحة تطول ولا تنتهي من روائع النصوص القصيرة والمقالات الأدبية والقصائد، تراثية وحديثة ومعاصرة. لا يتطلّب الأمر أكثر من دار نشرٍ مغامرة، تعرض الأمر على وزارات الثقافة في البلدان العربية، أو على وزارات التربية، أو حتى على ممولين. هذا لا يتطلب موازنات همايونية. هذا يقتضي رغبةً وإيماناً، وسوف يتم. فهل من مجيب؟

 

نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"