"Joy" وأشياء أخرى

07 يناير 2016
كان عليها أن تحارب وتعرف الصديق من العدو(مواقع التواصل)
+ الخط -
في تلك اللحظة المتأخرة من الليل تقف إحدى الفتيات أمام المرآة، وهي تنظر إلى نتيجة الحائط، وتتعجب، كيف يعقل أن يمر العمر هكذا بدون صحبة أو عمل يذكر. كانت هناك أيام قليلة تفصلها عن عامها الأخير في عقدها الثالث.


على الجانب الآخر من الكوكب، كانت هناك فتاة مثلها على أعتاب عمر ينهار، وفشل دائم في العمل، ومسؤوليات لا يستطيع تحملها بشر، قررت فجأة أن تتخلى عن مسؤولياتها وتعود لتلك الفتاة التي تركتها في داخلها هربا من كل ما كانت تمر به، من لحظات انفصال والديها، وفشل حياتها الزوجية، وابنيها، ووفاة جدتها.

جلست تلك المرأة كما يجب أن نسميها أمام أوراق ابنتها، ترسم ملامح حلمها على الورق، تلك الخطوط المرتبكة فعلت خدمة للبشرية بتقديم الممسحة "الشرشوبة"، تلك التي تعامل معاملة زوجة الأب في بيوتنا المصرية، فالأم المصرية الحقة لا تجد من وراء هذه الممسحة أي منفعة تذكر، سوى أنها تُصيب الفتيات ببعض الترهل، فالفتاة الحقة يجب عليها أن تقوم بأعمالها كاملة بيديها هي لا بمساعدة الأدوات أو الآخرين.

منذ عدة أيام كنت أتصفح قائمة أفلام العام المنصرم وقررت فجأة أن أتوقف أمام فيلم "Joy"، في بادئ الأمر أعتقد أنه أحد الأفلام العادية، ولكن عند بدايته أو مشاهدته يخبرك المخرج أنه عن قصة حقيقة لامرأة أصبحت سيدة أعمال مشهورة ومعروفة في الوسط الأميركي.

كنت أعتقد أن اختراع مثل هذه الممسحة لم يكلف صاحبه كثيراً من العناء، لكن عندما عرفت تفاصيل كفاح صاحبة الفكرة التي تيسر لنا حياتنا اليومية وتخفف أعباء المنزل على النساء قررت أن أسعى خلفها.

تبدأ القصة بحكايات الجدة عن حياة حفيدتها "Joy"، وكيف تحولت هذه الفتاة لامرأة صرعتها الحياة وأوقفتها، عن أحلامها، والسعي وراء براءات اختراعها التي يتملكها الآخرون. كانت الفتاة الصغيرة تختفي خلف أقنعة الكبار، تعاني من الوحدة وتراكم الأعباء كعادة النساء في عوالمنا المدهشة، طحنتها رحا الحياة حتى كلت من كل ما تمر به، تغفو قليلا فتشاهد نفسها وهي تتخفى، كيف لمرأة مثل هذه أن تترك كل شيء، وتعاود المسير.

في البداية وجاهتها عدة مشاكل، على رأسها التمويل وكان عليها أن تحارب وتعرف الصديق من العدو، كيف يمكن لأحد أن يساعدها وهي هكذا، كانت كلمات الجدة "ميمي" بمثابة طوق النجاة لها، في كل موقف تجدها إلى جوارها تساندها وتمنحها البهجة والدهشة والدفء والأمان، والسند الذي تفتقده في وحدتها وضياع أبويها في عوالمهما.

كان الانطلاق عندما ساعدها طليقها في الوصول إلى إحدى القنوات الدعائية، رغم أن الفشل صاحبها منذ البداية، ووجدت نفسها تدين بأكثر من نصف مليون دولار، إلا أن مكابرة هذه المرأة جاءت وراء سعيها للمسير إلى الأمام حتى أصبحت من أهم سيدات الأعمال الرائدات في أميركا.

"هل يمكن أن يوقف أي فتاة أخرى أي شيء عن حلمها؟!" كان السؤال يتردد في عقلي، هل حقاً نحن عالة على المجتمع لا يمكن أن يستثمر مجهودنا في البحث والحياة؟ هل يجوز للفتاة أن تماس أدورا أخرى غير التي تترك لها؟! كان السؤال يدور في فضاء عقلي يمزقني، كيف يعقل أن أرى صديقاتي في حالة انهيار فقط لأنهن تجاوزن حاجز العمر المفترض لهن أو اللواتي قررن أن يكون هو العمر المفترض لتحقيق الأحلام؟ بل كيف يعقل أن نخون أحلامنا.

منذ زمن بعيد وأنا مغرمة بمحمود درويش، أردد كلماته صباح مساء: "على هذه الأرض سيدة الأرض، ما يستحق الحياة!" وعلى هذه الأرض نماذج كثيرة قاومت كل الانكسارات وتمردت على واقع المجتمع المفروض عليهم، وسعوا من أجل الأحلام، ملامح المقاومة تزدهر في كل مكان في تجارب شخصية مدهشة، تقدم لنا التجربة وعناءها في رحيق الحكايات، هناك جوي، وجوليا روبرت التي احترفت التمثيل في منتصف عمرها وهي الطبيبة البيطرية، هناك من يقرر أن حياته لا يمكن أن تكون مثل الآخرين.

(مصر)
دلالات
المساهمون