"ورشة الثقافات": فنون معرّضة للتشريد

10 يوليو 2017
مبنى "ورشة الثقافات" في برلين
+ الخط -

إذا كنّا كثيراً ما نتحدّث في البلدان العربية، عن عوائق بيروقراطية وتضييقات لا تساهم في ازدهار النشاط الثقافي، فإننا كثيراً ما نرسم صورة وردية عن واقع الثقافة في بلدان أوروبية. حيث أن بعض هذه البلدان تعيش من حين إلى آخر وضعيات شبيهة، وقد تكون ضحيّتها أيضاً الأنشطة الثقافية العربية.

مؤخراً، أعلنت الحكومة الألمانية عن نيتها إخلاء مبنى "فيركشتات دير كولتورن" (ورشة الثقافات)، في وسط العاصمة برلين بنهاية السنة الجارية. خاصية هذا المكان أنه يحتضن، منذ 1994، معظم الفعاليات الثقافية العربية في برلين.

حيال ذلك، جرى في أوّل أيام الشهر الجاري تنظيم حوار مفتوح في الفضاء نفسه، دُعي إليه ناشطون ثقافيون عرب في برلين، من أجل التباحث حول سبل دعوة الحكومة الألمانية للعودة عن قرارها، وكان من أبرزها إطلاق حملة لجمع توقيعات، وكتابة بيان يبرز النتائج السلبية المحتملة لإغلاق الورشة، في ظرف حسّاس يجد فيه المهاجرون العرب في ألمانيا أنفسهم، أمام ضرورة إنتاج صورة عنهم من خلال الثقافة والفن، مقابل الصورة التي تصنعها وسائل الإعلام. الغريب في قرار الحكومة الألمانية أنه يأتي غير مسنود بسبب واضح، كما لم يتم التصريح عن مشروع آخر سيحلّ في الفضاء نفسه.

المسرحية المصرية المقيمة في برلين، مروة مهدي، إحدى الناشطات الثقافيات في "فيركشتات دير كولتورن" حيث تدير مشروع "الموسم العربي"، تقول في حديث إلى "العربي الجديد" إن هذا الفضاء مثّل لسنوات بوصلة المثقف العربي، حيث احتضن منذ عقدين مهرجانات ومؤتمرات وعروضاً مسرحية وفرجوية عديدة، كانت معظمها قد أنتجت بدعم من إدارته وفي قاعاته.

من زاوية شخصية، تقول "لقد كان هذا الفضاء بالصدفة أول مسرح أتعرّف عليه في برلين التي وصلتها منذ 13 عاماً، وكنت أتابع فعاليات ورشة الثقافات لما تقدّمه من عروض مرتبطة بثقافات مختلفة، من أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا، كما كان يقدّم مناسبات للالتقاء بمثقفين عرب، حيث تعمل الورشة على برامج التبادل الثقافي مع العالم العربي، وفيه قدّمتُ وأدرتُ مشاريع من بينها ورشة الحكي النسوي "فضفضة"، التي انتهت بإنتاج عرض مسرحي بعنوان "نحن لسنا أرقاماً"".

ترى مهدي أن ثمة اليوم حالة ارتباط عاطفي بينها وبين الفضاء، إلى جانب الارتباط الثقافي والعملي، وهذا الارتباط يمكن تعميمه على عدد غير قليل من المثقفين العرب في برلين حيث مثّل مساحة لمعايشة الوطن/ الثقافة العربية.

الارتباط العاطفي قد تكون له أسباب أخرى لدى الجالية العربية، حيث تذكر مهدي مثلاً أن المخرج العراقي الراحل عوني كرومي تعرّض لأزمة قلبية على خشبة "مسرح ورشة الثقافات"، أثناء بروفات إحدى مسرحياته في 2006، وتوفّي بعدها بفترة قليلة.

وعن توفّر بدائل للنشاطات الثقافية العربية، تؤكد "شخصياً لا أرى الآن بدائل، نتيجة ارتباط مشروع ورشة الثقافات بموقعه الجغرافي، وبطبيعة المبنى البرليني القديم، الذي يحتوى على قاعتي مسرح، وعدد من قاعات التدريب، وحديقة وغيرها من المرافق التي يصعب توفرها في مكان واحد وملاءمتها لثقافات متعددة". ومن زاوية المشروع الذي تديره ترى أنه "المكان الوحيد المناسب عملياً ومضمونياً لفاعليات "الموسم العربي"، والذي أخاف أن يُقتل في مهده إذا تم إغلاق المكان".

وحول واقع الثقافة العربية في ألمانيا اليوم، ترى مهدي أنها للأسف تتمثل في حضور محدود قائم على محاولات فردية متناثرة هنا وهناك. وتعتبر أن تزايد عدد العرب المقيمين في ألمانيا، مع موجات التهجير في السنوات الأخيرة، أنتج حاجة ملحة لبناء مساحة للقاء والتحاور بين الثقافة العربية والألمانية، إلا أن ما يحدث مع "ورشة الثقافات" يمثل انتكاسة لهذا المسار، وهو ما لا يخدم سوى حركات التطرّف.

المساهمون