"وأنتم ذابحتكم الصلاة؟"

26 مارس 2015
+ الخط -
انتشر في يوم 21 مارس/آذار الجاري، عبر "واتساب"، مقطع فيديو ظريف، مدته 13 ثانية، يظهر فيه شاب خليجي يقود سيارته، ويصور المقطع بنفسه لنفسه مع والدته الجالسة في مقعد السيارة الخلفي، حيث كانت تطالبه بأن يقدم لها هدية بمناسبة عيد الأم، فيرد عليها الشاب وهو يبتسم: "هذا عيد الكفار يمّه"، لكن الأم التي يبدو من مظهرها (منقبة) أنها ملتزمة دينياً، تباغته بعفويتها الموجزة؛ " ليه عيد الكفار؟ وأنت ذابحتك الصلاة؟". ولمن لا يجيد اللهجة الخليجية فهي تقول له ما معناه؛ "لماذا تعتبر الاحتفال بعيد الأم عيدا للكفار؟ ثم كيف تقول ذلك، وأنت مفرط في الصلاة التي تعتبر في الإسلام حدا فاصلاً بين المسلم والكافر؟".
لم تفضح الأم بهذا الرد الظريف تناقض ابنها الذي يبدو أنه صور المقطع ونشره، على سبيل التظرف ومداعبته والدته، وحسب، بل فضحت كثيرين غيره يتصرفون التصرفات نفسها التي تناقض بعضها، بلا أدنى حرج من فكرة التناقض.
وإذا كان الشاب قد هرب من فكرة شراء هدية، وتقديمها لوالدته في عيد الأم، تحت ستار ديني، بحجة أنها فكرة محرمة شرعا، وفقاً لفتاوى مختلف عليها، ولا يليق به كمسلم الإقدام عليها، على الرغم من أنه مفرط في أهم ركن من أركان الإسلام، وهو الصلاة، فإن كثيرين يفعلون الشيء نفسه، في قضايا وأمور كبرى، وبالحجة نفسها، وتحت الستار الواسع نفسه، لكن بجدية مطلقة، فيهربون من واجباتهم السياسية والاجتماعية والوطنية والقومية والإنسانية، بل وحتى الأسرية أحياناً، بحجة أنها حرام، ومما لا يجوز في الإسلام، على الرغم من أنها غالبا ليست كذلك، أو على الأقل، أنها من الأمور المشتبهات، والتي يجوز فيها الاختلاف والاجتهاد، في وقت لا يتورعون فيه عن ممارسة أنواع عديدة من الحرام الصريح والواضح والمتفق عليه في أمور أخرى تناسبهم! فتجد بعضهم، مثلاً، يحرم المشاركة في المظاهرات السلمية في بلاده، بحجة أنها حرام شرعا، وفقا لمفهومه الذي اختاره من بين اجتهادات فقهية عديدة في هذا الشأن، لكنه لا يمانع في أكل أموال الناس بالباطل، وهو فعل متفق على حرمته، ليس في الإسلام وحده، بل في كل الديانات الأخرى أيضا. وتجد آخرين يجتهدون في التضييق على النساء، في خياراتهن الحيايتة اليومية، مثل قيادة السيارة والتعليم والسفر والملابس وغيرها، بالمنطق الديني نفسه غير القابل للنقاش، والمرتكز على كلمة "حرام" وحسب، في وقت يمارسون فيه خياراتهم الحياتية، المتنوعة شرقا وغرباً، غالبا من دون التفكير بالحرام والحلال، وأحياناً، تحت ستار رحمة الاختلاف في ظلال الأمور المشتبهات!
هل يخدع هؤلاء أنفسهم؟ أم يخادعون الآخرين؟ هل يصدقون كلامهم فعلاً، عندما يقدمون على ارتداء ثياب الدين، ويتحججون بحجج شرعية، ويتكلمون بلغة فقهية، للهروب مما يطالبهم الآخرون بالقيام به مثلاً، أو سلاحا فتاكا في مواجهة الخصوم، ويقتنعون أنهم إنما يفعلون ذلك ابتعادا عن الحرام، واقترابا من الحلال، والتزاما بشرع الله، وفقا لمفهومهم؟ 
أم أنهم يعلمون تماما في قرارة أنفسهم أنهم يكذبون، وأن الشرع منهم، ومن تصرفاتهم براء، وأنهم استخدموه فقط حجة مناسبة وسهلة وغير مكلفة، ومقنّعة في الغالب، بلا أدنى جهد، فيتوقعون ألا يرفضها كثيرون ممن حولهم، ولن يدقق أحد في مدى التزامهم الديني بالشرع، ومفاهيمه الحياتية الأخرى، ومقارنة ذلك الالتزام وحجمه، مع استخدامهم له حجة للهروب من الواجبات والالتزامات، وأحياناً كسلاح مضمون النتائج في الحرب على الخصوم؟
ليس من المهم إن كانوا يخدعون أنفسهم، أم يحاولون خداع الآخرين، بل الأهم هو ألا ننخدع، وألا نتورع عن مواجهة المخادعين المتناقضين بتناقضاتهم، في كل فرصةٍ تتاح أمامنا بوضوح شديد، وعلى طريقة تلك الأم الورعة، وبلغتها التهكمية نفسها ربما؛ وأنتم ذابحتكم الصلاة؟!
دلالات
CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.