بعث عبد الفتاح السيسي، يوم الثلاثاء، أقوى إشارة لحد الآن حول نيته إعدام أول رئيس منتخب بطريقة ديمقراطية في مصر، الذي اغتصب السلطة من يده، حسب الصحفي البريطاني ديفيد هيرست، الذي قال في مقال نشره بموقع "هافنغتون بوست" إن السيسي يحاول التملص من عدم قدرة الدولة على التعاطي مع غياب الاستقرار الذي تسبب فيه بيده، وذلك من خلال التعهد بالسماح للمحاكم بتوزيع أحكام بالجملة.
هيرست أوضح أنه بعد مرور عامين على الانقلاب العسكري الذي أطاحه، يتابع محمد مرسي و105 أشخاص آخرين، بينهم 15 قياديا بارزا في جماعة الإخوان المسلمين، بعقوبة الإعدام. وأضاف أن السيسي يترأس دولة تتهاوى اليوم أمام أعيننا، موضحا أنه في فترة حكمه دخلت مصر في دوامة من القمع الشديد عديم الرأفة، أصبح يهم في الوقت الراهن حالات الإخفاء القسري على طريقة سيرلانكا، مقابل تصاعد العصيان. وقال إنه في حال تنفيذ السيسي لتهديده، فإن انفجار الأوضاع بمصر ذات الساكنة التي تصل إلى 90 مليون نسمة، نصفها تعيش تحت خط الفقر، ستجعل الأوضاع بسورية والعراق وليبيا تبدو عديمة الأهمية.
كما ذكر ديفيد هيرست أنه لم تتبن أي جماعة مسؤولية قتل النائب العام المصري، هشام بركات، في التفجير الذي استهدف موكبه الاثنين، موضحا أن وفاته تمثل ضربه قوية لسلطة النظام الذي كان يمثله. وأضاف أنه إذا كان جهاز القضاء قد لعب دورا محوريا في القمع الممارس بمصر، فإن بركات كان الوجه البشري لذلك القمع، لا سيما أنه كان من وقع مذكرات اعتقال بحق أكثر من 40 ألف شخص، وهو من منح وزارة الداخلية ووحدات الجيش الغطاء القانوني لتنفيذ المجزرة التي راح ضحية لها ما يفوق ألف متظاهر في يوم واحد بالقاهرة في أغسطس/ آب 2013.
هيرست زاد قائلا إن بركات عمل على ضمان توزيع أحكام الإعدام بالجملة، وقام بالتآمر مع مسؤولين لاختلاق بعض الأحداث حول اعتقال مرسي، موضحا أنه بموجب ما تبقى من القانون المصري، لم يكن ممكنا احتجاز مرسي داخل ثكنة عسكرية، وهو ما عمل بركات على تغييره من خلال تحويل ديكور الثكنة العسكرية وجعلها تبدو مثل سجن تابع لوزارة الداخلية.
اقرأ أيضا: محلب: مصر في حالة حرب حقيقية
وبخصوص حادث اغتيال النائب العام، ذكر هيرست بأنه توجد ثلاث فرضيات حول هوية الجهة التي تقف وراء تنفيذ التفجير بهذه الدقة المتناهية، موضحا أن المتهم الأول هو الدولة نفسها، فإما السيسي نفسه قام بذلك للحصول على تبرير لتنفيذ عقوبة الإعدام التي صدرت بحق محمد مرسي، أو قام بذلك كبار الجنرالات داخل الدولة، ممن يدعمون منافسين للسيسي، مثل أحمد شفيق الذي يعيش خارج مصر.
أما الفرضية الثانية، فتشير إلى مجموعة متعاطفة مع الإخوان المسلمين، أما المتهم الثالث فيمكن أن يكون عناصر من الدولة الإسلامية، داعش، أو فرع القاعدة، أو مجموعة يسارية ثورية.
اقرأ أيضا: ثلاثة سيناريوهات غير دستورية أمام السيسي أخطرها الطوارئ
وفي تعليقه على ذلك، قال هيرست إنه بمعزل عن هوية منفذ العملية، فإن ما حدث يعد خبرا سيئا بالنسبة للسيسي، إذ يشكل دلالة كبرى على فشله في أداء مهمته، موضحا أن الماريشال السيسي استولى على السلطة بعدما لوح بورقة استعادة مصر لاستقرارها، ولم يتمكن بعد مرور عامين على ذلك من حماية حياة مسؤولين بارزين بنظامه.
كما ذكر هيرست أن السيسي كان يعتقد في يونيو / حزيران 2013 أنه في حاجة فقط لدفعة واحدة، لإرغام مرسي على التنحي في صمت وعودة أنصاره بالإخوان المسلمين إلى السجون من دون القيام بأي شيء لنزع الشرعية عن الدولة، لكن الأوضاع لم تسر وفق أهواء السيسي، بعدما خرج الملايين للتظاهر ضد الانقلاب العسكري في جميع أرجاء البلاد، وواصلوا التظاهر والاحتجاج. كما أوضح كذلك أن جماعة الإخوان المسلمين نجحت في الحفاظ على نفس النسبة من أنصارها، وبأنها ما زالت تمثل أكبر حركة سياسية بمصر.
هيرست قال إن السيسي إن كان ينوي إعلان الحرب على هؤلاء الأشخاص وعائلاتهم، فإنه يستهدف بذلك ملايين المصريين، قد يختار جزء منهم اللجوء إلى العنف. كما ذكر الصحفي البريطاني أن العالم شهد في السابق مثل ما يجري بمصر الآن، إذ يحاول حاكم دكتاتوري استخدام العنف في حق المتظاهرين السلميين، من أجل دفعهم لاستخذام العنف للرد عليه، بغية إيجاد مبررات لمواصلة العنف بنفس المستوى الذي يستخدمه في حقهم. هيرست نفى أن ينجح هذا الأمر مع السيسي، محذرا من أن مفاجأة أخرى تنتظر الغرب بمصر، إذا تم ترك السيسي في الحكم، قد تكون تداعياتها أكبر من سقوط الموصل في يد "داعش".
اقرأ أيضا: السيسي يشرّع هيمنته على القضاء واحتكار السلطتين التنفيذية والتشريعية