"نساء من هذا الزمن"... الحسناوات بعيداً عن رائحة عطرهن

06 مايو 2014
نساء من هذا الزمن
+ الخط -

تنجح بثينة عوض، في تجربتها الدرامية الأولى في نقل الحياة بتفاصيلها بقدرة فائقة، تتقاطع شخصياتها التمثيلية على نحو كبير مع شخصيات حياتية معروفة بالاسم حيناً، ومن شخصيات حياتية أخرى قد لا نعرفها، ولكنها شخصيات من لحم ودم تعيش بيننا حتى لو لم نلتقها، وهو ما جعل الكاتبة تراوح بين حالتين؛ فمرة هي كاتبة درامية تمتلك قدرة هائلة على التقاط شخصياتها من الواقع وإعادة بنائها درامياً، وخلق تقاطعاتها المنطقية مع الشخصيات المفترضة حولها، ومرة تبدو كما لو أنها راوية لأحداث وتفاصيل الحياة الشخصية لأناس تعرفهم جيداً... في الحالتين كانت بثينة عوض، موفقة في تشكيل فيسفساء درامي متجانس لعدد من الحكايات الإشكالية، المتصلة والمنفصلة، لمجموعة من النساء بتجارب مختلفة تتعلق بقضايا الحب والخيانة وهواجس العنوسة والأمومة والهوس بعمليات التجميل عند بعض ووهم عمليات التجمل الأخلاقي لآخرين، فضلاً عن صراع الذكورة والأنوثة، وإن بالغت الكاتبة أحياناً في عرض مشكلاتهن على حساب تأثيم رجالهن.

هذا المزيج من الحكايات جاء في معالجة هادئة تدعو إلى تأمل عميق ومحاكمة عقلية بعيداً عن الإثارة، لكن ميل كاتبة العمل لتبني هذا الأسلوب لا يعفي نصها من حالة البطء التي عانى منها الحدث الدرامي، فلا ذروات متعددة في الخطوط الدرامية للشخصيات، ولا حالات تأزم بين صعود وهبوط تمنح الدراما عامل التشويق الذي تحتاجه لشد المشاهد إلى شاشة التلفزيون، وإنما هي تمضي بهدوء في حالة تصاعد نحو ذروة واحدة، وهي حالة كان من الممكن أن تثقل على مشاهدة العمل لو عرض في زحام العرض الرمضاني.

في كل الأحوال وقياساً بوصفها تجربة درامية أولى، يمكن النظر في ما قدمته بثينة عوض، بأنه بداية قوية وواثقة لكاتبة درامية.

ما عاب النص كان من الممكن تلافيه عبر الإخراج، أقله باختصار العمل من دون الثلاثين حلقة، وهو ما لم يتم، بل واختار صناع العمل فعل العكس، بمط المسلسل إلى ثلاث وثلاثين حلقة. وبينما كان من الممكن النظر في حالة التسريع المونتاجي التي اعتمدها المخرج أحمد ابراهيم أحمد، لاستعراض حال شخصيات العمل خلال ثوان معدودات، كحالة جمالية تحسب للمخرج، إلا أن تكرارها أفقدها شيئاً من جمالياتها، فبدت كالفواصل البرامجية، ولاسيما أنها لم تقل شيئاً في غالب الأحيان سوى أن الحياة تمضي كالمعتاد.

الكلام على هذا النحو لا يعني التقليل من الجهد الإخراجي الكبير الذي أبداه المخرج أحمد ابراهيم أحمد، وقد ميز أسلوبه العمل على التقطيع والانتقال المستمر بين الممثلين، واعتماد زوايا تصوير متنوعة سعياً لالتقاط تفاصيل المشهد ووجوه الممثلين فيه حتى حركتهم وسكونهم وصمتهم، وبذلك كانت كاميرا أحمد ابراهيم أحمد، شديدة الإخلاص لحالة الشخصيات وللبيئة المحيطة، ولكن هذا الأمر لا يعفيه أيضاً من تحمل مسؤولية الوقوع في شرك بطء الإيقاع.

العمل حمل مفاجأة على صعيد اكتشاف الممثلين أو إعادة اكتشافهم، فتؤدي شكران مرتجى، دوراً هو قفزة في تجربتها الفنية وعتبة جديدة على صعيد نجوميتها، وتؤكد قمر خلف أحقيتها في أدوار البطولة، فيما يعيد العمل كثيراً من الاعتبار لنجومية الفنانة أمانة الوالي، وقد غيبها مخرجون كثيرون خلال السنوات الأخيرة.

ويخوض مخرج العمل مع نزار أبو حجر، مغامرة موفقة، فيما تسجل ميرنا شلفون، خطوة موفقة ثانية بعد دورها العام الفائت في "سكر وسط".. كما يسجل العمل خطوات مشجعة لكل من رهف شقير، وعهد ديب، ومديحة كنيفاتي، وحضور لافت للفنانين الشابين مهيار خضور، ويامن الحجلي.. مقابل حضور باهت لفنانين كبار بينهم جهاد سعد، وسلمى المصري (يحتاج أداء الممثلين الى مقال خاص).

في دراما "نساء من هذا الزمن" إخلاص للخصوصية السورية المحلية، حتى لو بدت حالة نكوص درامي إذا ما قورنت بما ينتج اليوم، من أعمال بصيغ عربية بلا ملامح خاصة، سوى رائحة العطر التي تفوح من أبطالها.

 

المساهمون