"نداء تونس" بعد الانتصار: بحث عن أغلبية غير متاحة

03 نوفمبر 2014
10C41C42-5272-4A3D-8488-00A2AE13AA19
+ الخط -

فرض التونسيون عبر الانتخابات التشريعيّة، على اللاعبين السياسيين، نسج مشهد سياسي جديد يدفع كل الأحزاب، القوى الكبرى خصوصاً، للبحث عن ممرات آمنة، تقود قسراً إلى التحالف بدلاً عن الإقصاء، بعدما قال التونسيون كلمتهم بالصوت العالي، "لا سبيل للاستفراد بالحكم، ولن نمنح صكاً على بياض لأحد".

وخلال فترة زمنيّة قصيرة جداً تكاد تُعدّ بالساعات، هي الفاصلة بين نتائج الانتخابات التشريعيّة وبداية الرئاسيّة، كان على القوى السياسية البحث عن إجابات واضحة ومباشرة لموقعها في المشهد السياسي الجديد. وعلى عكس ما برز من نشوة انتصار بُعيد النتائج الأوليّة، استفاق أنصار حركة "نداء تونس" (الأولى في نتائج الانتخابات التشريعية بـ85 مقعداً من أصل 217)، على حقيقة التحالفات المفروضة، وعلى حِمل تشكيل الحكومة الثقيل، وبداية مشوار سياسي طويل جداً، تريد فيه تفادي انكسار تحالفات سابقة وضمان استمراريّة سياسيّة على مدى خمس سنوات، بما يتيح لها تنفيذ برنامجها الانتخابي، بعيداً عن اهتزازات الطريق الوعرة التي تنبئ لها الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية الجمّة المطروحة على طاولة كل حزب سياسي.

وتدرك حركة "نداء تونس"، كغيرها من الأحزاب السياسيّة، أن التونسيين وضعوا جزءاً كبيراً من ثقتهم فيها، أملاً في تجاوز صعوباتهم الحياتيّة المعروفة. وتذهب العديد من التحليلات، بعكس ما يُروّج، إلى أنّ نتائج التشريعية لم تعكس صراعاً على هويات أو أيديولوجيات، بل بكل بساطة جاءت تعبيراً عن رغبة التونسيين الصريحة في تخفيض الأسعار، وتأهيل الطرق وفرض الأمن والعودة الى العمل.
وفي هذا السياق، فإنّ التصويت "المفاجئ" لصالح "الاتحاد الوطني الحر"، على سبيل المثال، كان لصالح رجل أعمال ثري وناجح، على الرغم من المآخذ، أمّا التصويت لحزب "آفاق تونس"، فكان اختياراً لحزب ليبيرالي ركّز حملته على تحسين الاقتصاد، في حين أنّ الذهاب إلى "نداء تونس" بكثافة، كان تعبيراً عن قبول التونسيين بفكرة "الدولة"، التي شكّلت حجر الأساس في خطاب زعيم الحركة الباجي قايد السبسي، طيلة السنتين الماضيتين.

ولتحقيق هذه الأهداف، سيتعيّن على "نداء تونس" البحث عن دعم سياسي كبير للحكومة المقبلة، يؤمن لها حداً أدنى من الاطمئنان والاستمراريّة لفترة طويلة، ويضمن خصوصاً فرصة مصادقة البرلمان على قوانين جديدة تستدعي أحياناً أغلبية الثلثين، وهو ما يشكّل منذ الآن عقبة أمام تشكيل هذه الحكومة الجديدة.

وتبدو "نداء تونس" هذه الأيام على الأقل، في مأزق سياسي حقيقي بسبب الفرص القليلة المتاحة أمامها، فقد ركّزت الحركة حملتها الانتخابيّة على ثنائيّة المشروعين المختلفين بينها وبين حركة "النهضة"، وأكد مسؤولوها مراراً أنّهم سيتحالفون في حال فوزهم بالانتخابات مع العائلة الفكريّة الحداثيّة القريبة منهم، وهو ما يعني بالضرورة استبعاد التحالف مع "النهضة"، وإلا فستكون هذه أولى انتهاكات الوعود الانتخابيّة، كما قال عصام الشابي القيادي في "الحزب الجمهوري" لـ "العربي الجديد" في لقاء سابق.

ويُمسك الجميع هذه الأيام بأقلامهم وأوراقهم، ويستعيد كثيرون دروس الجمع والطرح، بحثاً عن معادلات سياسيّة واقعيّة لتشكيل أغلبيّة برلمانيّة مريحة، هي في الحقيقة غير متاحة فعلياً. وسيتعيّن على "نداء تونس" في حال عدم تحالفها مع "النهضة" (التي حازت على 69 مقعداً)، أن تتحالف تقريباً مع كل الأحزاب الباقية، لضمان أغلبية الثلثين، التي تتيح تمرير القوانين الأساسيّة الجديدة أو تعديل بعض القديمة التي لمّح لها الحزب، ويبدو هذا الأمر شبه مستحيل سياسياً.

وفي حالة ثانية ستبحث فيها "النداء" عن أغلبية 51 في المائة في المجلس التشريعي لتشكيل حكومة جديدة، فسيكون بإمكانها أن تضم إليها حزبين من ثلاثة على الأقل، وهي "الجبهة الشعبيّة" و"الاتحاد الوطني الحر" و"آفاق تونس"، ما سيدفع بالضرورة في المقابل إلى تشكيل جبهة معارضة قوية جداً داخل البرلمان.

أما حركة "النهضة"، الجالسة على الربوة، فتتابع الأوضاع والتطورات. تعلن حيناً أنّها مع حكومة وحدة وطنيّة، مع ما يعنيه ذلك من إحراج سياسي لمنافسها، وتعلن حيناً آخر أنها راضية بموقعها في المعارضة، وهو ما بدا واضحاً في تصريح إعلامي لرئيسها راشد الغنوشي، الذي قال إنّ "النهضة ستكون الثلث الميّسر وليس المعطّل"، مؤكّداً انفتاحها على كافة المبادرات.

ومن الواضح، أنّ السبسي، صاحِب التجربة الطويلة والحنكة المعروفة، يدرك أنّ الحلّ الحقيقي يكمن في ترحيل "المأزق" إلى الجميع، واقتسام الأزمة منذ الآن على مرأى ومسمع من التونسيين، لتحديد ما سُمي كثيراً في تونس بـ "وضع العصا في العجلة"، أيّ تعطيلها عن الدوران، وهو ما يرفضه التونسيون الذين طال صبرهم على تحسين أوضاعهم بأسرع وقت ممكن، ويحرج بقية الأحزاب ويدفعها باتجاه التوافق.

وقال السبسي في حوار تلفزيوني قبل أيام، إنّه "يفضّل أن تكون الحكومة جامعة لكل القوى السياسيّة في البلاد، وكذلك المنظمات النقابيّة، وأن يلعب الرباعي الراعي للحوار دوره المعتاد الذي لم ينتهِ، فتونس ما زالت ستواجه صعوبات كثيرة".

وأشار إلى أن "الحكومة الجديدة لا تملك عصا سحرية، وأن التونسيين قادرون على إيجاد حلول مشتركة حتى تتجاوز تونس مشاكلها، ويكون المستقبل في مستوى آمال الشعب وطموحاته". وأكد السبسي أن علاقته بزعيم حركة "النهضة" تقوم على الاحترام المتبادل، ونفى "وجود أيّ عداوة بين حركة "النهضة" و"النداء" بل منافسة"، مشيراً إلى أنّ "النهضة طرف هام في المشهد السياسي ولا يمكن الاستغناء عنه". وقال إنّ "التشاور مع النهضة ومختلف الأطراف الفاعلة بخصوص تشكيل الحكومة أمر ضروري، لأنّ تونس في المرحلة المقبلة في حاجة للجميع".

ويُبرز التمعن في هذه التصريحات، بوضوح، إدراك السبسي لأهميّة حصول وفاق وطني واسع في المرحلة المقبلة، على الرغم من صعوبته، وأنّ الحلّ الحقيقي يتمثّل في ترحيل كل الأسئلة إلى الحوار الوطني، حتى لا يتحمّل الحزب وحده أوزار الفشل، غير أنه في الوقت ذاته يدرك قوة الرباعي الراعي للحوار، في الدفع نحو إنجاز توافقات ستكون صعبة، خصوصاً مع ما ستفرزه الانتخابات الرئاسيّة التي رفضت "نداء تونس" التشويش عليها بمفاوضات الحكومة الجديدة ورحّلتها إلى بداية الشهر المقبل.

ويبدو أنّه للأحزاب الأخرى رأي مغاير، فـ "تقاسم" الأزمات يفرض أيضاً "تقاسم الغنائم"، ولن ترضى القوى السياسيّة التونسيّة أن تتبوأ "نداء تونس" رئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، ثم تتحاور معها على تحمّل عبء الصعوبات، والظاهر أنّ "نداء تونس" تدرك هذا الأمر بوضوح.

ذات صلة

الصورة
البنزرتي طالب الاتحاد تحفيز اللاعبين مزدوجي الجنسية (الاتحاد التونسي/العربي الجديد)

رياضة

حقق المدير الفني للمنتخب التونسي فوزي البنزرتي بداية جيدة مع كتيبة "نسور قرطاج"، بعدما حقق فوزين متتاليين، في مستهل تجربته الرابعة مع الفريق.

الصورة
عبد اللطيف المكي في العاصمة التونسية، إبريل 2020 (ياسين قايدي/الأناضول)

سياسة

استخدم الرئيس التونسي قيس سعيّد القضاء لتوجيه ضربة لمنافسيه في الانتخابات التونسية الرئاسية، حيث صدرت أحكام بالسجن على عدد من المرشحين.
الصورة
مسيرة احتجاجية في تونس للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، 25 يوليو 2024 (العربي الجديد)

سياسة

طالبت عائلات المعتقلين السياسيين في تونس بإطلاق سراحهم بعد مضي سنة ونصف سنة على سجنهم، وذلك خلال مسيرة احتجاجية انطلقت وسط العاصمة.
الصورة
مقبرة جماعية في منطقة الشويريف بطرابلس، 22 مارس 2024 (الأناضول)

مجتمع

أعلن المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك، الثلاثاء، أن مكتبه يتابع تقارير عن اكتشاف مقبرة جماعية في الصحراء على الحدود الليبية التونسية.
المساهمون