"مقاتلون" تحت الإقامة الجبرية بتونس: تباين حول صوابية القرار

06 ديسمبر 2015
في موقع الهجوم على حافلة الحرس الرئاسي(محمد خليل/فرانس برس)
+ الخط -
بعد عملية شارع محمد الخامس الإرهابية التي راح ضحيتها 12 عنصراً أمنياً، سارعت وزارة الداخلية إلى اتخاذ قرارات بفرض الإقامة الجبرية على 92 من المتشددين العائدين من سورية والعراق وليبيا، قبل أن تُلحقه بإجراء ثان شمل 46 آخرين؛ قرارات أثارت جدلاً واسعاً في الساحة السياسية التونسية، على اعتبار أن هذا الإجراء ارتجالي وغير ناجع للسيطرة على الإرهابيين، بحسب ما يراه بعضهم.

واتخذت وزارة الداخلية قراراً جديداً بفرض الإقامة الجبرية على 46 شخصاً مصنّفين، أنهم عناصر خطيرة لدى الوحدات الأمنية، وقالت الداخلية، بينهم عنصران عائدان من بؤر التوتر و44 ينتمون إلى تنظيم "أنصار الشريعة" المحظور، والمصنف تنظيماً إرهابياً، ليصبح مجموع المشمولين بقرارات الإقامة الجبرية 138 شخصاً.

وأوضحت رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية، بدرة قعلول، في حديث لـ"العربي الجديد" أنه من "الناحية القانونية يعتبر قرار فرض الإقامة الجبرية صائباً تتكفل بإصداره وزارة الداخلية في مثل هذه الأوضاع، ولكن بحسب ما أكدته الوزارة نفسها، فإن هؤلاء العائدين من بؤر التوتر مصنفون خطرين جداً، ومن هنا نتساءل، هل يمكن أن نعتبر قرار وضعهم تحت الإقامة الجبرية صحيحاً؟"  

وشدّدت قعلول على أن وضع (إرهابي) في بيته يعيش حياة عادية ويقوم بحراسته ثلاثة أمنيين يكلف الدولة كثيراً، ويعرض الأمنيين لخطر استهدافهم، وبالتالي لا يمكن أن يكون هذا الإجراء صائباً بل خاطئاً وخطيراً أيضاً"، على حدّ تعبيرها.

ورأت قعلول أنه "من الأجدر قبل عرض هؤلاء على القضاء وضعهم في معسكر في الصحراء، يقومون بأشغال الفلاحة مثلاً الى أن يبت القضاء في الاتهامات الموجهة إليهم".

واعتبرت أنه "سيكون لهذا القرار سلبيات لأنه ارتجالي وغير مدروس، وقد يشجع الإرهابيين على مواصلة أعمالهم الإرهابية". وأضافت أن "كل تجارب الدول الأخرى التي اعتمدت المناصحة والمصالحة بخصوص المقاتلين المتشدّدين العائدين من بؤر التوتر فشلت، على غرار التجربة الجزائرية والتجربة السعودية، وبالتالي يجب مقاضاة هؤلاء على أساس أنهم قاموا بأعمال إرهابية، حسب قانون الإرهاب".

ومن الناحية السياسية، رأى أمين عام حركة "وفاء" رؤوف العيادي، أن "الإقامة الجبرية هي عقوبات تكميلية، تصدر عادة من القضاء، وليست قراراً إدارياً تتخذه وزارة الداخلية، وهو قرار خاطئ قانونياً، ويجب عرض هؤلاء على القضاء، وإن ثبت تورطهم في أي أعمال إرهابية تتم محاكمتهم".

وتعتبر تونس من الدول المصدّرة للإرهابيين إلى مناطق القتال. وتشير تقارير دولية الى أن التونسيين يتصدّرون قائمة المقاتلين الأجانب في كل من سورية والعراق.

وفي أبريل/نيسان الماضي، أكّدت وزارة الداخلية أن هناك 500 تونسي عائد من بؤر التوتّر من إجمالي عدد مقاتلين بسورية والعراق، يقدّر بين 2800 و3000.

في المقابل، قالت الأمينة العامة للحزب الجمهوري، مية الجريبي، لـ"العربي الجديد"، إن كل الإجراءات التي تسير في مجال المراقبة والتعاطي الجدّي مع ملف الإرهاب يجب دعمها برؤية متعددة الأبعاد تشمل الظواهر والأسباب"، موضحة أنه "يجب معالجة قضية العائدين من بؤر التوتر على المستوى التربوي والثقافي والأمني، خصوصاً الديني، إذ يجب إيجاد طرح ديني جديد يعوّض الطرح المتطرف". وطالبت الجريبي بضرورة "إيجاد استراتيجيا ورؤية شاملة، حتى تكون أكثر نجاعة، وهذا لا يتم إلا بانعقاد مؤتمر وطني لمحاربة الإرهاب"، على حدّ قولها.

ويتفق مع هذا الرأي أمين عام حزب المسار الاجتماعي المحسوب على اليسار التونسي، سمير بالطيب، الذي طالب الحكومة "بحزمة من الإجراءات، وهو ما لا يتم إلا بتنظيم مؤتمر وطني لمحاربة الإرهاب. ولكن للأسف الحكومة تتملص من انعقاده". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "على كل حال نحن مع أي مجهود لمحاربة الإرهاب، لكن للأسف مثل هذه الإجراءات مبتورة، ولم تكن نتيجة رؤية شاملة تضم الجانب التربوي والثقافي والديني، بل هو قرار إداري و ارتجالي".

وتعتبر الإقامة الجبرية إحدى العقوبات المقيدة للحرية، إذ تُفرض عادة ضمن العقوبات الجنائية السياسية أو العقوبات الجناحية السياسية. والإقامة الجبرية إجراء معمول به كعقوبة تكميلية في القانون الجزائي ومنصوص عليه في الأمر عدد 50 لسنة 1978 المُنظم لحالة الطوارئ، والذي يخوّل وزير الداخلية أن يضع تحت الإقامة الجبرية في منطقة ترابية أي شخص يعتبر نشاطه خطيراً على الأمن والنظام العامين بتلك المناطق دون اللجوء إلى القضاء. وتسمى الإقامة الجبرية، أيضاً، بالحبس المنزلي، حيث يتمّ حجز أشخاص داخل منازلهم والتضييق على حرية تحركاتهم بشكل كامل أو محدود.

اقرأ أيضاً: تونس بعد "الثلاثاء الأسود"... رحلة البحث عن "الوحدة المقدّسة

المساهمون