مع بداية 2016، شهدت ألمانيا سجالات ثقافية كان محورها كتاب "كفاحي" لـ أدولف هتلر بسبب دخوله في المجال العمومي بعد سقوط حقوق ملكيّته. بانقضاء العام، وصدور قوائم "الأكثر مبيعاً" ضمن تقاليد تسويق الكتب الحديثة، يكتشف الألمان بأن "كفاحي" يتصدّر القوائم وهو ما يقرأه البعض كعودة لنفس الموقع باعتبار أن الكتاب كان "الأكثر مبيعاً"، وإن في ظروف مختلفة، من بداية الثلاثينيات حتى 1945.
كان "معهد التاريخ المعاصر" في ميونخ أوّل من طبع الكتاب وقدّمه بتعليقات موسّعة. نفس المعهد نشر رقماً مذهلاً نهاية السنة المنقضية، حين أعلن أن 85 ألف نسخة بيعت منذ صدور الكتاب، وكان في البداية قد أصدر أربعة آلاف نسخة قبل إضافة طبعات أخرى، وصلت إلى خمس إلى حد الآن، نظراً للإقبال على الكتاب.
مدير المعهد، أندرياس فيرشينغ، أصدر بياناً جاء فيه: "اتضح أن الخوف من أن نشر الكتاب سيعطي رواجاً لأيديولوجيا هتلر ويعطي النازيين الجدد منصّة جديدة للدعاية أمر لا أساس له من الصحة". وأضاف "على النقيض من ذلك، أعطانا النقاش حول رؤية هتلر للعالم وتعامله مع الدعاية الفرصة لبحث أسباب وتبعات الأيديولوجيات الشمولية في وقت بدأت فيه الآراء السياسية السلطوية والشعارات اليمينية في الانتشار".
قد يكون كلام فيرشيغ صائباً بخصوص عدم وجود صلة مباشرة بين النازيين الجدد وإعادة طبع أبرز كتب الأيديولوجيا النازية، ولكن ألمانيا اليوم تعيش على وقع صعود أشكال أخرى من التطرّف الفكري تغذّيه الأحداث التي تهزّها من حين إلى آخر، إضافة إلى يوميات معاركها السياسية والتي لا يتردّد اللاعبون فيها في استثمار أي سجال في اللعبة الانتخابية، ومن ثم يمكن وقتها نقل الكتاب من السجال الثقافي إلى ما هو أخطر.