يشكل حديث نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى جويل رايبرون، والمبعوث الخاص للتحالف الدولي لهزيمة "داعش" السفير الأميركي جيمس جيفري، خلال اجتماعهما الأسبوع الماضي مع رئيس وأعضاء من "الائتلاف الوطني لقوى الثورة المعارضة السورية"، نقطة فارقة في الموقف الأميركي تجاه القضية السورية، رغم كل ما تخلله الاجتماع من سجالات وصلت إلى درجة الحدة وارتفاع الأصوات بين الطرفين. فبعد تشتت الجهود الأميركية في سورية، أقله خلال السنوات الخمس الأخيرة من عمر الثورة، بين مكافحة الوجود الإيراني والحرب على تنظيم "داعش" والتركيز على الهيمنة على حقول النفط من خلال دعم المجموعات الكردية ومضايقة النظام على الهامش من خلال الضغوط السياسية، حسم رايبرون توجه الاستراتيجية الأميركية الحالية أمام رئيس الائتلاف نصر الحريري، بالإشارة إلى أن رئيس النظام بشار الأسد هو الهدف الأميركي الأول في سورية. وذهب رايبرون نحو مزيد من تشديد الموقف الأميركي باتجاه الأسد، حين طلب من الحريري توحيد جهود المعارضة المدعومة من تركيا، مع "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) و"حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي ضد الأسد، منتقداً تشتت جهود الطرفين والتهاءهما بالعداوة وتوجيه الاتهامات لبعضهما دائماً.
مسألة التقارب مع قسد غير مقبولة وغير مرحّب بها في تركيا
لا يمكن وضع هذا الطلب الأميركي أمام المعارضة ولا حتى "قسد" أو "حزب الاتحاد الديمقراطي"، الذي تتهمه تركيا بأنه الفرع السوري لـ "حزب العمال الكردستاني" المحظور لديها، من دون أن يمر على المسؤولين الأتراك، أو أن تمضي واشنطن بتنفيذه بالتنسيق مع الجانب التركي الذي يعد الطرف الأهم والأصعب في المعادلة شمالي سورية شرقاً وغرباً. وربما هذا ما يفسره بقاء رايبرون وجيفري في أنقرة ليومين، بعد لقاء الأول المعارضة في إسطنبول في 25 أغسطس/ آب الحالي، بل إن جيفري لم ينتظر موعده مع المسؤولين الأتراك في 26 أغسطس، فتوجه إلى أنقرة في الوقت الذي كان رايبرون يعقد فيه اجتماعه مع المعارضة، بعد أن كان من المقرر أن يترأس جيفري الوفد الأميركي.
وتركزت الجهود الأميركية في الآونة الأخيرة شرقي سورية على المضي قدماً في الحوار الكردي ــ الكردي الذي ألمحت واشنطن كثيراً إلى أنه مرضي عنه في تركيا، مشيرة إلى أنه سيكون مقدمة لحوار كردي ــ تركي، ربما تكون مقدماته باتت تتضح من خلال لقاء المسؤولين الأميركيين مع المسؤولين الأتراك والمعارضة المدعومة من تركيا. مع العلم أن التحركات الأميركية حول سورية برزت بشكل لافت خلال الأسابيع الأخيرة، وسجلت مواقفها في أكثر من ملف وعلى أكثر من جانب، إذ سبق زيارة الوفد الأميركي إلى تركيا توقفه في جنيف السويسرية ولقاء أعضاء اللجنة الدستورية عن لائحة المعارضة. وهدف الأميركيون إلى توجيه رسالة مفادها إظهار مزيد من الدعم لإتمام المسار الدستوري وسط مماطلة وفد النظام.
كذلك التقى جيفري في جنيف نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال للتباحث حول المسار الدستوري الوضع في إدلب، في حين استهلّ المسؤولان الأميركيان زيارتهما إلى تركيا بتأكيد دعم واشنطن لأنقرة في ملفات عدة، منها الوقوف إلى جانبها أمام أي تحرك للنظام في إدلب، بالإضافة إلى إعادة النظام إلى طاولة المفاوضات. وكان الحديث عن الدعم الأميركي لـ "قسد" حاضراً خلال لقاء جيفري بالمتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، الذي أكد "عدم قبول جميع أشكال الدعم للمنظمات الإرهابية، وتم إبلاغ الجانب الأميركي بوجوب الكفاح المشترك ضد كل التنظيمات الإرهابية، بما في ذلك داعش، وحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي والوحدات الكردية"، حسبما نقلت وكالة الأناضول التركية عن اللقاء.
من جهته، أشار عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني المعارض، عبد المجيد بركات، لـ"العربي الجديد"، أن موضوع طرح التقارب بين المعارضة و"قسد" ليس جديداً ولم يطرح من قبل الأميركيين فقط، بل عُرض على المعارضة منذ سنوات من قبل جهات عدة، ولا سيما في مؤتمر "الرياض 2". وشدّد على أن "موقف المعارضة كان حازماً منه، وخاصة من قبل الائتلاف، برفض وجود أي مكون سياسي عابر للحدود في المعارضة. وكانت الحجة دائماً بعدم وجود تمثيل كردي داخل أجسام المعارضة، إلا أن رد الائتلاف كان واضحاً بوجود المجلس الوطني الكردي كأحد أهم مكوناته". وأضاف "أوضحنا مراراً أن المنطقة الشرقية متعددة المكونات، ففيها العرب والأكراد والتركمان والآشوريون وغيرهم، ولا يمكن ربطها بإدارة من مكون واحد. كما نرفض التشارك مع أي جهة عسكرية أو سياسية مرتبطة خارجية أو ذات جذر خارجي لأنه سيضرّ الثورة السورية، كما أن لحزب الاتحاد وقسد تواصلهما المباشر وغير المباشر مع النظام والروس وحتى الإيرانيين، وهذا ما لا يتوافق مع أهدافنا ورؤيتنا ومبادئنا".
وأوضح بركات أن "المعارضة تعرضت للكثير من الضغوط من حلفاء الثورة الأميركيين والأوروبيين وغيرهم لتمثيل قسد وحزب الاتحاد في المعارضة والعملية السياسية، إلا أننا لا نزال رافضين للأسباب المذكورة آنفاً"، لافتاً إلى أن أكبر الضغوط الدولية على المعارضة تمثل بمعارضة البيان الصادر عن الائتلاف المؤيد للعملية العسكرية الأخير لـ "الجيش الوطني السوري"، بمساندة الجيش التركي شرقي البلاد. ما أدى إلى خسارة الائتلاف لبعض مصادر الدعم الخارجي، قبل أن تعود العلاقات تدريجياً مع بعض الدول التي عارضت بعد تفهمها لموقف الائتلاف في تأييد العملية. ولفت بركات إلى أنهم في المعارضة ينسقون في هذا الجانب مع الأتراك، مشيراً إلى التشارك في الأهداف والمخاوف حيال وجود "قسد" والمنطقة الشرقية من سورية عموماً، مضيفاً أنه "حتى لو كان هناك رضى تركي، إلا أننا نملك نظرتنا الوطنية للموضوع، وليس من مبادئنا وأدبياتنا إقصاء أي مكون فالأكراد موجودون بقوة في أجسام المعارضة. وفي حال التوافق الأميركي – التركي على هذا الملف، الذي سينعكس إيجاباً على وضع المنطقة الشرقية، إلا أننا نصرّ على تمثيل عادل لكل المكونات في المنطقة الشرقية، بالإضافة للعديد من النقاط الخلافية التي يجب حلها كتهجير وطرد بعض المجموعات السياسية والتمثيلية. ويتوجب أيضاً معالجة قرارات وقوانين مجحفة أصدرتها قسد بحق أهالي المنطقة. أما الأهم فهو إدارة ثروات هذه المنطقة التي يجب أن يكون لنا دور فيها".
الحوار الكردي ـ الكردي سيؤدي لحوار تركي ـ كردي بحسب واشنطن
من جانبه، رأى السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو، المقرب من الحكومة، أن "مسألة التقارب مع قسد غير مقبولة، وغير مرحب بها في تركيا، فقسد التي تعد نواتها الرئيسية وحدات حماية الشعب الكردية، لا تختلف بالنسبة إلى تركيا عن داعش بشيء، وأي حوار مع قسد مرفوض من قبلها جملةً وتفصيلاً، فلا تزال هناك نوايا غير سليمة من قبل قسد التي تعد كياناً يهدد وحدة الأراضي التركية". واعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أنه "ليس من المنطق اتخاذ هذا التنظيم لمجابهة نظام الأسد، وبعد أن يتم المهمة، إن ما تمت، سيكون له هدف زعزعة أمن تركيا وتفتيت وحدتها. لذلك لا توجد نوايا تركية بالدخول في حوارات ومباحثات مع قسد كونها منظمة إرهابية، مهما بلغت الضغوط الأميركية شدتها في هذا الجانب، وترامب كان له خطاب مشهور في هذا الصدد، ألقاه أردوغان في سلة القمامة". وأضاف كاتب أوغلو أن "الولايات المتحدة ليس لديها سياسة الضغط على الحكومة التركية، لكن تركيا لا تتلقى الدعم من أي دولة أو جهة، وتتصرف بما تلقاه مناسباً لأمنها وأمن جارتها سورية".