تتجه الأنظار اليوم إلى العاصمة الصينية بكين، التي تحتضن منتدى للتعاون مع أفريقيا، التي تسعى العديد من دولها إلى الاستفادة من مبادرة "طريق الحرير"، التي تمكّن الصين من مدّ نفوذها التجاري إلى مناطق واسعة من آسيا وأفريقيا وأوروبا، في الوقت الذي تشهد فيه منظومة التجارة العالمية تهديدات من قبل السياسة الأميركية المؤيدة للحمائية، وفرض المزيد من القيود على سلع الأخرين.
وتنطلق، اليوم الإثنين، أعمال المنتدى الذي يستمر يومين ويقام تحت عنوان "الصين وأفريقيا: نحو مجتمع أقوى ذي مستقبل مشترك عن طريق التعاون المربح للجميع"، بمشاركة 53 دولة أفريقية ومفوضية الاتحاد الأفريقي، إلى جانب 27 منظمة دولية وأفريقية.
وأضحت الصين، في أقل من عشرين عاماً، أول شريك اقتصادي للقارة الأفريقية، حيث وصلت المبادلات بينهما إلى نحو 170 مليار دولار، خلال العام الماضي 2017، بزيادة بلغت نسبتها 14.1% على أساس سنوي، حسب بيانات جمركية صينية.
وأطلقت الصين مبادرة "طريق الحرير" في عام 2013، تحت اسم "حزام واحد، طريق واحد"، والذي يراد منه إحداث ربط سككي بين الصين وأوروبا، من أجل تسهيل المبادلات التجارية بين العملاق الآسيوي وأوروبا، حيث شمل هذا المشروع طرق التجارة البرية والبحرية، التي ضمت أفريقيا وبلدان المغرب العربي.
ومن المرتقب أن يكون المنتدى فرصة جديدة للتداول حول مبادرة طريق الحرير والتنمية في أفريقيا، حيث ينتظر أن تعلن الصين عن مبادرات جديدة لفائدة القارة السمراء، بعدما التزمت في القمة السابقة بجنوب أفريقيا عام 2015، بتقديم مساعدات في حدود 60 مليار دولار.
ونقلت وكالة الأنباء الصينية "شينخوا" عن تشيان كه مينغ، نائب وزير التجارة الصيني، خلال مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي، أن التجارة بين الصين وأفريقيا تشهد تطورا نشطا منذ إطلاق عشر خطط تعاون كبرى قبل ثلاثة أعوام.
وخلال السنوات الثلاث الماضية، بلغ متوسط الاستثمار المباشر السنوي للصين في أفريقيا ما يقرب من 3 مليارات دولار. وشهدت البنية التحتية في أفريقيا تحسنا بفضل خطط التعاون، التي يتوقع أن تحقق للقارة طرقا سريعة بطول 30 ألف كيلومتر، وطاقة موانئ تبلغ 85 مليون طن كل عام، وخلق ما يقرب من 900 ألف وظيفة.
ونقلت شينخوا، أمس الأحد، عن مصادر في صندوق التنمية الصيني ـ الأفريقي، قولها إن الصندوق سيعمل، خلال المرحلة المقبلة، على توسيع الاستثمارات في أفريقيا، وسيساعد في ربط مبادرة الحزام والطريق بالتنمية في القارة السمراء على نحو أقوى. وصندوق التنمية الصيني ـ الأفريقي، هو صندوق استثمار في الأسهم يديره بنك التنمية الصيني، وتبلغ قيمة محفظته نحو 10 مليارات دولار.
وتعد أفريقيا حلقة وصل مهمة بالنسبة للصين التي تسعى إلى مد نفوذها التجاري بشكل أكبر في أوروبا، عبر طريق الحرير، الذي تنوي تعبئة تريليون دولار خلال ثلاثين عاما، من أجل بناء الطرق والموانئ وخطوط السكك الحديدية والمناطق الصناعية في الدول التي يمر بها الطريق، بما يساعد على تيسير التجارة وفتح طرق جديدة أمام ثاني قوة اقتصادية في العالم.
وقد شيدت الصين نحو 50 منطقة اقتصادية في نحو 65 دولة، فضلاً عن استثمار 220 مليار دولار في العامين الماضيين، من أجل تشييد 2200 ممر جديد في الغرب، وكازاخستان، والتيبت والنيبال، وتولي تمويل خطوط للسكة الحديد للقطار فائق السرعة في أوروبا الوسطى التي تربط بين بلغراد وبودابست.
ورغم بلورة مبادرة طريق الحرير قبل وصول ترامب للرئاسة الأميركية مطلع 2017، إلا أن المبادرة ستزيد من استفادة بكين من سياسة الحمائية التجارية للولايات المتحدة التي قد تضعف التواجد الأميركي في آسيا والعالم.
وترى مؤسسات دولية، مثل البنك الدولي، في طريق الحرير بين القارة الأفريقية والصين والهند، حدودا اقتصادية جديدة، فيما يعبر صندوق النقد الدولي عن قلقه من الشراكات الناجمة عن تلك الطريق بسبب المديونية.
وأشارت بيانات صينية إلى أن بنك الصين، أتاح تمويلا ائتمانيا بحوالي 115.9 مليار دولار للدول الواقعة على طول الحزام والطريق، نهاية يونيو/حزيران 2018.
لكن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، سعى، في أكثر من مناسبة، إلى التأكيد على أن طرق الحرير لا يستهدف تحالفا جيوسياسيا أو عسكريا. بينما قال بارتيليمي كورمونت، الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، في تقرير له مؤخرا إن القادة الصينيين، أدركوا أهمية الاعتماد المشترك بين اقتصاد بلدهم والعالم، حيث يدركون أنهم لا يسلمون من الأزمات التي تصيب الاقتصاد العالمي. وبدأت هذه السياسة في إعطاء ثمارها، حيث إن ثلثي أكبر موانئ في العام أضحت تحظى بتمويل صيني.