بعد أن عرض مؤخراً في باريس ضمن معرض "تحية إلى نوتردام"، يقدّم الفنان السوري بطرس المعري عدداً من أعماله ضمن معرض افتتح في الخامس من الشهر الجاري بعنوان "ضد الملل" في "غاليري نبض" في عمّان، ليتواصل حتى السادس من الشهر المقبل.
يفرض انتقال نفس الفنان للعرض بين فضاءين ثقافيين مختلفين أكثر من سؤال حول خيارات اللوحات المعروضة ومنطق التلقي هناك وهناك. يشير المعري في بداية حديثه إلى "العربي الجديد" أن "تحية إلى نوتردام" هو مشاركة في معرض جماعي بحيث لا تنطبق عليه نفس مقاييس التعامل مع معرض شخصي كـ"ضد الملل". لكنه يكشف بأنه يفضّل العرض في المدن العربية أكثر من غاليريهات الغرب.
يقول: "خبرتُ العرض في ألمانيا وفرنسا بالخصوص، وقد وجدتُ أن المتلقي الذي لا يكون عربياً أو ذو اطلاع واهتمام مكثف بالعالم العربي، من النادر أن يتخلّص تلك النظرة الغالبة على كل تلقٍّ لعمل فنّي لتشكيلي قادم من البلاد العربية حيث لا يتجاوز مجرّد البحث عن شيء إكزوتيكي". يضيف: "يزعجني أن أضع همومي في لوحة ويأتي أحدهم يتفرّج عليها باعتبارها مجموعة من الطرابيش والفناجين وغير ذلك من العناصر التي يراها في العمل. وبشكل عام يزعج الفنان أن يظلّ يفسّر لهؤلاء لوحاته ويعيد شرح السياقات وغير ذلك".
وبخصوص معرضه المقام حالياً في عمّان، يقول: "أقدّم أكثر من تجربة جديدة، تجربة بمعنى التفكير في رؤية مختلفة وانتظار رد فعل المشاهد، مثل مزج العناصر البصرية التي تعودّت على تقديمها مع الخط العربي".
يشرح الفنان السوري كيف تبلور هذا المعرض، فيقول: "منذ أكثر من خمس سنوات وأنا متفرغ للفن بشكل شبه كلي، وهذا يعني أن هناك كماً من الأعمال يُنجز فأضعها جانباً في مرسمي إلى أن يحين وقت عرضها أو إخراجها إلى الجمهور الحي لا الافتراضي. من عادة كثير من الفنانين العمل على مواضيع أو ثيمة معينة خلال فترات من الزمن تطول أو تقصر يتوجها معرض يضم هذه الأعمال التي تأخذ هذا الموضوع الواحد وربما ترى فيه توحيداً لقياسات الأعمال. بالنسبة إليّ، هناك فارق أنني لا أستطيع العمل على موضوع واحد لأكثر من شهرين على الأكثر، وبعدها أنتقل إلى موضوع آخر. وهكذا ترى أن الإنتاج خلال فترة تطول أو تقصر متعدد المواضيع والمزاج أيضاً إن جاز لي القول".
يتابع: "تأتي فرصة العرض في مكان ما فتبدأ باستعراض ما أنجزته وما لديك من أعمال لتختار منه ما يناسب أو تختار توليفة ترى أنها تناسب المكان وجمهوره وربما الأحداث. اسم المعرض هذا هو "ضد الملل وربما يصلح هذا الاسم لأغلب المعارض التي أقوم بها، فلا تجد رتابة في الألوان المستخدمة ولا في المواضيع ولا قياسات الأعمال ولا في حاملها. يتزامن وقت هذا المعرض مع نشاط ثقافي يقام في العاصمة الأردنية ألا وهو "أسبوع عمّان للتصميم"، فقمت بتصميم طاولتين كما عرضت أعمالاً صغيرة الحجم على السجاد وصحون من الخزف للاحتفال بهذه المناسبة أو للاشتراك فيها".
يشرح المعري أيضاً تأقلمه مع فضاء الغاليري، فيقول: "تتشكل غاليري نبض من عدة قاعات مفتوحة على بعضها وقد صادف أن إحدى هذه القاعات قد كان مناسبة لعرض أعمال يغلب عليها اللون الزهري كما ضمت أربعة أعمال أشاكس فيها فينوس جيورجيوني". يضيف "ومن المواضيع التي عرضناها أيضاً لوحة كبيرة عن ساحة باب توما في دمشق أو ساحة العشاق كما أراها وأحب تسميتها، ولوحة عن القدس وثلاثية كبيرة سميتها الغيرنيكا السورية".
هذه المرة الثانية التي يعرض فيها المعري أعماله في عمّان بعد 2015، وفي المعرضين تحضر المأساة السورية، في الأول من خلال لوحة بعنوان "حين وقعنا في حيص بيص" ولوحة لعائلة مؤلفة من أب يرفع يديه مستسلماً لأحدهم لا يظهر في العمل وبجانبه أفراد عائلته ويغلب على وجوههم الخوف و الذعر، فيما تحضر هذا العام "الغيرنيكا السورية" وكأنها تحاول أن تنقل المأساة بعنفها حتى الهروب المتمثل بزوارق ورقية هشة تمخر في البحر.