"شقائق" أنسي و"شظايا" سيوران

18 فبراير 2014
أنسي الحاج "اصطاد برق الرأس" من إميل سيوران
+ الخط -

في مقالة نشرها في جريدة "الأخبار" اللبنانية بعنوان "عبارةٌ تخلعُ نيع القارئ"، وبعنوانٍ فرعي هو "سيوران القاتل"، استطاع أنسي الحاج بمئتي كلمة أن يرسمَ صورةً دقيقةً وحادّة الملامح للفيلسوف الرّوماني العدمي إميل سيوران (1911- 1995).

يقول أنسي في نصّه: "يستوقف سيوران بولائه حتى مماته لسوداويّته ولاءً منهجياً انضباطياً مدمّراً. فهو لا يترك فكرة أو مفهوماً إيجابياً أو يمكن أن يصبح مصدر فرح إلّا يُعمل فيه تفكيكاً". ويُشير إلى أمنية العدمي في إمكانية كتابة عبارةً "تخلعُ نيع القارئ". ولعل اختيار الحاج هذه العبارة عنواناً لمقالته يعكس رغبةً ضمنية بأن يفعلها هو أيضاً.

وليس بالضرورة أن يكون "خلعُ نيع القارئ" فعلاً مؤذياً، فالجمال أيضاً يقوم بهذا. وبينما تتأتّى أمنية سيوران من "حقده على الأحياء، لا الحياة"، وفقاً للحاج، تتجلى أمنية هذا الأخير في كتاب "خواتم"، الذي صدر في جُزئيه (1991) و(1997) عن دار "رياض الريّس" للنشر؛ أمنيةٌ مُنحازة للحياة لا للانتحار واللاجدوى، ومبنية على إيمان مُطلق بفعل الكلمة وجدواها. إذ يقول في مقدّمة "خواتم": "الكلمة تكون بحاجة الحياةِ إليها لا بالشّفقة. وتكون كلّها، وفوق الكلّ، أو لا تكون".

 وبعيداً عن ماهيّة هذه "الشّذرات" التي كتبها كلّ من أنسي وسيوران، وعن التنظيرات حولها، ما إن كانت قصيدةَ نثرٍ أو ضرباً من ضروب السّرد المكثّف وغيرها من التسميات المفخّخة، نميل إلى تسمية الشاعر عبد القادر الجنابي لها بـ"الشقائق"، بالنسبة إلى أنسي، لأنّها أقرب لمعناها المجازيّ والأدبيّ، ولأنّها حقّاً "شقائق" تُحيل للزهرة الربيعية الحمراء، بينما نفضّل عبارة "شظايا" لشذرات سيوران لكونها في الحقيقة  جاءت نتيجةً لانفجاراته الدّاخليّة في صراعه السوداوي الدائم مع الوجود.

يثابرُ أنسي في "خواتمه" على تمجيد الجزء الذي أخفاه سيوران - عمداً - من الواقع، ويعمل على إظهاره والاحتفاء به ليُشكِّلَ توازناً يمنح السكينة، كأن "شقائقه" تُربِّتُ على القلب وتطمئنه. وفي الوقت الذي يرى سيوران أنّ الحبّ هو "ثاني أكبر كذبة بعد الحياة، وإذلال للعقل"، يعتبر الحاج أن "الحبّ أعمى، لذلك (يرى) ما لا يراه المبصرون". هنا "اصطيادٌ لبرقِ الرّأس" يُتقنه أنسي. إذ يلمح التماعةً تفصيليةً يقلبُ من خلالها المفهوم السائد عن الحب. أي الإجابة الجاهزة بأنّه "أعمى"ـ ويمنحه عمقاً آخر أكثر حيويةً.

بعبارة أخرى، لم تكن فكرة أنسي هي التحديق في النصف الممتلئ من الكأس، بينما سيوران كان يحدّق في النصف الفارغ منه. كل ما في الأمر هو أن شاعر "لن" لم يستسلم للأسئلة الوجوديّة التي غالباً ما تبقى بلا أجوبة، وشكّلت مصدراً أساسياً لعدمية سيوران، بل فضّل عليها جماليات الحياة وأجّل سؤالَه الكبير إلى لحظةِ موته. وفي هذا السياق نفهم قوله: "سأسكت وأنا أموت، لكنّ وجهي سيظلّ يسأل: لماذا؟".   

 

 

المساهمون