"داعش" ودير الزور: العشائر بوابة التمدُّد

15 اغسطس 2014
كتائب إسلامية معارضة بايعت داعش بدير الزور (Getty)
+ الخط -
تمكن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، خلال الشهرين الماضيين، من تحويل انتصارات المعارضة السورية المسلحة على النظام في محافظة دير الزور، إلى هزيمة أدت إلى طردها خارج حدود المحافظة ليحل التنظيم مكانها في كل المناطق التي استولت عليها على مدار العامين الماضيين، والتي سيطرت خلالها على ثلثي المدينة وكامل ريف المحافظة.

وتنحصر السيطرة الآن في كامل المحافظة، بين التنظيم وقوات النظام التي تتمركز في أربعة أحياء من المدينة فقط؛ الجورة، القصور، غازي عياش، (في الجزء الشمالي من المدينة، والتي تحوي على المجمع الأمني)، وحي هرابش (في الجزء الجنوبي). إضافة إلى مطار دير الزور العسكري الملاصق لهرابش، والذي يقع على مساحة واسعة ويمتاز بطبيعة جبلية صعبة.

في المقابل، تبقى منطقتا الخريطية والطريف في الريف الغربي، الوحيدتان اللتان تضمان عناصر وعتاد للمعارضة المسلحة، ولكن بموجب هدنة مع "داعش" الذي أكمل سيطرته، خلال اليومين الماضيين، على قرى الشعيطات في ريف دير الزور الشرقي، إثر مواجهات عنيفة مع عشائرها دامت لنحو أسبوعين، وأسفرت عن عمليات قتل وإعدام طالت العشرات في صفوف الطرفين.

الاستفادة من الخلافات

اتبع "داعش" في دير الزور عدداً من الأساليب والتكتيكات في السيطرة على المحافظة، فرغم توحد الكتائب التي تتبع للجيش الحر مع الكتائب الإسلامية ضمن "مجلس شورى المجاهدين" لمواجهة كل من "داعش" والنظام، إلا أن التنظيم استطاع استغلال التركيبة العشائرية في المحافظة لمصلحته. واستفاد من الخلافات بين العشائر على النفط والنفوذ ومن نهج بعض العشائر التي توالي الأقوى. واستمال قسماً آخر يتمتع بنفوذ في المنطقة، كان يرفض نهج التنظيم وسلوكياته. وتمكن التنظيم، مستفيداً من الانتصارات التي حققها في العراق بالتنسيق مع العشائر العراقية، من فرض سيطرته شبه المطلقة على دير الزور، خصوصاً وأن هناك تداخلاً بين العشائر في محافظة دير الزور مع عشائر العراق.  

التداخلات العشائرية

وفي هذا السياق، قال خبير الأنساب أبو إبراهيم، لـ"العربي الجديد"، إن "التداخل العشائري بين المنطقة الشمالية الشرقية من سورية والعراق كبير جداً، ويمكن تقسيم العشائر وفق ذلك إلى مجموعتين كبيرتين؛ الأولى تنتشر بشكل رئيسي في سورية ولها امتدادات عشائرية في العراق مثل عشائر العكيدات، البوشعبان، البكارة، والبوخابور. والثانية على العكس من ذلك، حيث ثقل العشيرة في العراق ولها امتدادات كبيرة في سورية كعشائر الدليم، الجبور، العبيد، والمشاهدة. فيما تمتلك عشيرتي شمر وعنزة البدويتان ثقلاً وتعداداً كبيراً في كلا البلدين. وهذه أمثلة عن أسماء لكبرى العشائر فتعداد العشائر في البلدين كبير".

اختلاف التكتيك

ودفع التداخل بين العشائر في كل من العراق وسورية، "داعش" إلى اعتماد سياسات مختلفة معها، إذ عمد إلى أسلوب التحالف مع العشائر في العراق بينما اتبع سياسة البيعة والإكراه والتهجير في تعامله مع أبناء عمومتهم من العشائر الموجودة في سورية، فالتنظيم ينظر إلى العشائر بشكل عام كمشاريع صحوات ضمن ايديولوجيته، إذ يعتبر العشائرية "منتنة" (مذمومة في الشرع)، اجتزاءً لحديث عن الرسول محمد (ص) إذ قال: "دعوها فإنها منتنة".

إلا أن السبب في اختلاف تعامله معها بين العراق وسورية، يعود إلى قوة وانتظام عشائر العراق ضمن قيادة موحدة، والتقائها مع التنظيم في حربه ضد الجيش العراقي. يقابله تشتت وصراع العشائر في سورية، إضافة إلى عدم المبالاة الدولية بالوضع السوري على عكس العراق التي يواجه فيها "داعش" ضغطاً إضافياً.

توزع العشائر مناطقياً

يمكن تقسيم العشائر في محافظة دير الزور، مناطقياً إلى قسمين؛ الأول هو الريف الغربي، الذي يضم مجموعة القرى والمدن التي تقع غرب نهر الفرات. وتشكل عشيرة البكارة مكونها الرئيسي، بالإضافة إلى مكونات من عشائر مختلفة، والتي تميل تاريخياً إلى موالاة الأقوى، إذ كانت متماهية مع النظام ثم بايعت "جبهة النصرة" فور دخولها المنطقة، وبالسهولة ذاتها بايعت "داعش"، الذي سيطر على كل الريف الغربي ببضع ساعات.

أما القسم الثاني فهو الريف الشرقي أي مجموعة القرى والمدن التي تقع شرق نهر الفرات وتضم بشكل رئيسي عشيرة العكيدات التي يتواجد مشايخها في منطقة البوكمال. وتنقسم إلى عدة أفخاذ تتوزع على قرى الريف مثل البوخابور، والبكير. وتمتد في محافظات الموصل وبغداد ومناطق أخرى من العراق، واشتهر الريف الشرقي بوقوفه في وجه النظام و"داعش".

وقد عمد التنظيم إلى استمالة بعض أفراد هذه العشائر وعينهم أمراء لديه، واستخدمهم لشق صف العشيرة، إذ ظهر من سيحارب "داعش" وكأنه يحارب أبناء عشيرته. الأمر الذي دفع الكثير من أبناء العشائر التي لم تبايع "داعش" للنزوح خارج المحافظة وذهب معظمهم إلى منطقة القلمون وشكلوا قوة هناك لمحاربة النظام بسبب عدم قدرتهم على محاربة التنظيم في دير الزور من جهة، وبسبب رفضهم محاربة أبناء عمومتهم ممن بايع التنظيم من جهة أخرى.

وبايع "داعش" معظم كتائب المعارضة في المحافظة والتي ينتمي عناصرها لمكونات عشائرية، فمن الكتائب الإسلامية: تجمع جند الشام، المعتصم بالله، نمور الإسلام، جند الله، خالد بن الوليد، عائشة أم المؤمنين، صقور الفرات، شهداء صبيخان، درع الإسلام، حراس العقيدة، مغاوير الفرات، وثوار صبيخان الأبية.

وبايع التنظيم من الكتائب التابعة للجيش الحر، "جيش محمد"، وكتيبة "شهداء البوعمر".

الفصيل الوحيد الذي وقف ضد "داعش" هو فصيل عشائر الشعيطات في ريف دير الزور الشرقي، على خلفية اعتقال التنظيم لأحد أبناء العشيرة وقتله من دون محاكمة، مما أدى إلى اشتباكات عنيفة بين الطرفين.

وتعد الشعيطات، التي تنحدر من قرى أبو حمام، الكشكية، غرانيج، والبحرة؛ من أقوى الفصائل المقاتلة ضمن "مجلس شورى المجاهدين"، وحاصرت مع "كتائب مدينة موحسن"، مطار دير الزور العسكري لأكثر من عام، قبل أن تبايع المدينة "الدولة الإسلامية".

ويرى القائد السابق للمنطقة الشرقية في الجيش الحر، المقدم محمد العبود، الذي وقع على استقالة جماعية قبل شهرين، أن السبب الأهم في سقوط محافظة دير الزور بيد "داعش" هو "الإرادة الدولية".

وأضاف أنه "لقد لمسنا ومنذ نشوء التنظيم أن هناك إرادة بأن تكون المنطقة مرتعاً له، وكاد الدعم أن يكون معدوماً رغم كل المحاولات مع الجهات والدول الداعمة، ورغم الشرح والتوضيح لخطورة ترك المنطقة إلا أن التجاهل كان مقصوداً".

وأوضح أن "المنطقة مهمة جغرافياً واقتصادياً بالنسبة للتنظيم، فالمنطقة هي امتداد للأنبار والموصل، وتمتلك آبار نفط وحقول غاز وصوامع حبوب. كما أن تناحر فصائل المعارضة في المنطقة بسبب النفط والمصالح الشخصية، كان سبباً هاما في انتصار (داعش)".

ويرى العبود، أن الأمر الخطير الذي لعب عليه "داعش" هو البعد العشائري هناك، "إذ يتبين للبسطاء بأن التنظيم محسوب على العشيرة الفلانية بدلاً من الأخرى مما استدعى بعض الكتائب المعارضة اعتزال مقاتلة التنظيم كون اغلب عناصره من عشيرتهم، فأدى إلى شرخ كبير في فصائل الجيش الحر". 

المساهمون