"حبشكلات" و"دهن الزردوم".. لغة الرشوة الخفية في العراق

06 ابريل 2016
ينبذ الرجال من ليس مثلهم (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -


مفرادت خاصة يتداولها العراقيون حالهم حال جميع الشعوب، مثل "دهن الزردوم" و"الريوك" و"استكان الشاي" و"التوريق" والـ "مالات" وغيرها، والتي ظهرت بعد الاحتلال الأميركي للبلاد. لكن اللافت أن جميعها تعني "الرشوة".

ويرى عراقيون أن للرشوة، على اختلاف تسمياتها، فوائد كثيرة، حتى إنهم يصنفونها ضمن إطار "الرحمة" وتسهيل حياة الآخرين في مقابل الاستفادة. لذلك، يعدّ تقاضيها بهدف الانتفاع، أو دفعها لتلبية الاحتياجات، أمراً عادياً. وعلى الرغم من كونها جريمة ومن الكبائر، لكنهم لا يستغنون عنها.

وليس أكثر من قصص الرشوة في العراق. فهناك تسميات كثيرة، بعضها معروف وبعضها الآخر مغمور. واللافت أن المرتشين لا يخشون تقاضيها في الدوائر والمؤسسات الحكومية، مستعينين بالعبارة العراقية المعروفة محلياً، وهي: "الكل يخمط"، أي يأخذ نصيبه بطريقة غير شرعية. في هذا الإطار، لا يبدو مستغرباً. وتجدر الإشارة إلى أن العراق يحتلّ مراتب متقدمة في الفساد. 

"مالات"

يقول إسماعيل العبودي، والذي يعرف نفسه بـ "الخبير"، إنه يقرأ الموظفين من ملامحهم. ويعرفُ كيفية التعامل معهم وإنجاز معاملاته بأقل كلفة ممكنة، ما جعله يعمل سمساراً في الدوائر الرسمية. ينجزُ معاملات المواطنين بالاتفاق مع الموظفين، ويجني من خلال تلك المهمة "مبلغاً جيداً"، بعدما اكتشف أن الجميع صار "يخمط".

ينجز العبودي عشرات المعاملات يومياً. ويقول لـ "العربي الجديد" إنه لا يستخدم كلمة رشوة مع زبائنه أو الموظفين، موضحاً أن علاقاته "جيدة معهم في غالبية المؤسسات الحكومية. فعندما أتصل بأحدهم أو ألتقيه، أخبره أن "المالات" أو "الريوك" أو "الحبشكلات" جاهزة"، أي "حقه من المال المتفق عليه".

وبحسب اللهجة العراقية، فإن "الريوك" هو الفطور، و"المالات" هي الأغراض أو الأشياء والحاجيات. أما "الحبشكلات"، فهي كلمة دارجة لا معنى لها، إلا أنها صارت تطلق على الرشوة أيضاً.

شاي

للمال قوّة جذب تضعف الآخرين. هذا ما يلاحظه البعض في ظل شيوع الرشوة في العراق. ويؤكد ضابط في دائرة الجوازات العراقية إن عبارة "استكان الشاي" تعد أوّل درج في سلم الرشوة، ثم "اللفة" ويقصد بها الشطيرة، وبعدها "الريوك" و"الغداء" وصولاً إلى تحديد الأسعار. وبطبيعة الحال، كلما كان منصب الموظف رفيعاً، زاد السعر الذي يتقاضاه لإنجاز المعاملات، خصوصاً أن المنصب الرفيع يعني "صلاحيات أكبر".

يضيف لـ "العربي الجديد": "كلنا نتقاضى هدايا، سواء مبالغ مالية، أو هدايا ثمينة، في مقابل إنجاز معاملات. هذا هو واقع الحال. ومن لا يتقاضى المال خوفاً من محاسبة قانونية أو لسبب أخلاقي أو ديني، يعد خطراً على بقية زملائه كونه يشذ عن القاعدة السائدة. حتى أنه يحارب بطريقة أو أخرى، وإما أن ينقل إلى دائرة أخرى أو يسلك المسلك ذاته".

وحين يذكر الموظف أمام المواطن كلمة شاي، فهذا يعني أنه يريد أن يُدفع له مبلغ معين. يكفي أن يقول الموظف: "حتى الآن لم أشرب الشاي"، فتصل المعلومة للمراجع الذي يخرج من جيبه مبلغاً من المال ويدسه خفية بين أوراق الموظف أو في درج مكتبه، الذي غالباً ما يكون مفتوحاً لإتمام المهمة.
بدوره، اعتاد الحاج خليفة الشمري، وهو رجل مسن في العقد الثامن من العمر، إطلاق عبارة "دهن الزردوم"، هو الذي يشير إلى أنه عرف الرشوة منذ زمن طويل، حين كان ما زال شاباً يعمل في سلك الشرطة.

ويقول لـ "العربي الجديد": "كنت أدهن الزردوم للمفوض أي الشخص المسؤول عني، حتى أتغيب عن الدوام وأساعد والدي في عمله في الزراعة". و"الزردوم" باللهجة العراقية الدارجة يعني "البلعوم". وقد اعتاد العراقيون اللجوء إلى العلاجات الشعبية واستخدام الزيت ودهنه لعلاج التهاب اللوزتين، وهو ما يقال له "دهن الزردوم"، علماً أنه يساهم في شفاء المريض. ومع الوقت، صارت هذه التسمية تطلق على إعطاء "الرشوة" لأنها تفضي إلى نتيجة ايجابية. يضيف الشمري أن "دهن الزردوم صار منتشراً اليوم وهذا مؤسف".

التوريق

لسائقي سيارات الأجرة وباصات النقل العام علاقة مستمرة مع الرشوة. هؤلاء "يورّقون" لشرطة المرور في مقابل إلغاء مخالفاتهم. وتجدر الإشارة إلى أن التوريق هي كلمة شائعة في البلاد، في إشارة إلى "الورق" أو النقود الورقية.

في هذا السياق، يقول مناضل عليوي، وهو سائق باص لنقل الركاب، لـ "العربي الجديد"، إنه "نتيجة لقوانين المرور التي تفرض عدم الوقوف في الكثير من الأماكن، أو نقص الأوراق الثبوتية المطلوب توافرها مع السائق، وغيرها من الأسباب القانونية، يفرض على شرطي المرور حجز السيارة، أو تغريم السائق مبلغاً من المال. لذلك، يورق السائق مبلغاً قليلاً من المال لشرطي المرور، فينتهي الأمر من دون مخالفة".

ووفقاً لقانون العقوبات العراقي، يعاقب بالحبس كل من يتعامل بالرشوة لمدة تصل إلى عشر سنوات. وعادة ما تنشر الجهات الرقابية الحكومية أرقام هواتف خاصة في لوحات إعلانية في جميع الدوائر الحكومية، للتبليغ عن الرشوة. إلا أن تلك الإجراءات تعد "شكلية" لأنها "تتطلب دليلاً ملموساً. ومن خلال التسميات التي يطلقها العراقيون على الرشوة، يصعب إثباتها في كثير من الأحيان. كذلك، فإن كثيراً من الموظفين لا يحصلون على رشوة بشكل مباشر. وصار المواطن يرى في الرشوة وسيلة لتسهيل أموره، ما يدعوه إلى عدم التبليغ"، وفقاً للمحامي علي السعدي.

كل ذلك يفسر تحول العراق إلى إحدى أكثر الدول فساداً في العالم، ويتنافس مع دول أخرى لاحتلال مراكز الصدارة بالفساد منذ عام 2003. وفي آخر تقرير أصدرته منظمة الشفافية الدولية عام 2015، حلّ في المركز السادس ضمن 167 دولة شملها التقرير.

دلالات
المساهمون