لم تكن الرصاصة التي قتلت الشهيد، محمد سنقرط، من النوع المطاطيّ العادي، الذي تستخدمه قوى الأمن في العالم لتفريق التظاهرات العنيفة، بل كان من نوع مختلف، بدأ الجيش الاسرائيلي في استخدامه في عام 2008، وتحديداً في تفريقه التظاهرات المناوئة لجدار الفصل العنصري في الضفة الغربية.
وتؤكد عائلة الشهيد، ومعها ناشطون محليون، أن محمد ارتقى شهيداً برصاصة سوداء من معدن مغطى بطبقة رقيقة جداً من المطاط، وتطلق من بندقية خاصة. هذا النوع من الرصاص، كانت تطرقت إليه تقارير سابقة في مركز "المعلومات الاسرائيلي لحقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية" (بيتسيلم) قبل نحو عامين.
ووفقاً لما ورد في التقرير، فالحديث يدور عن نوع من الرصاص الحيّ، يحمل اسم "توتو" ويُطلق بواسطة بندقة "روجر" على 3 دفعات متتالية. وبالرغم من أن قوة إصابة هذه الرصاصات أقلّ لكنها تسبب الإصابات، وبعضها تسبّب إصابات بالغة جداً، تؤدي إلى الموت".
وكان قنّاصة الجيش استخدموا في بداية عام 2000 بندقية "روجر" في تفريق المتظاهرين، إلا أنه بعدما تبيّن أنها من الممكن أن تؤدي إلى أضرار كبيرة وربما القتل، مُنع استخدامها في تفريق المتظاهرين.
ووفقاً لتقرير "بيتسيلم"، فإن الجيش عاد الى استخدام هذه البندقية في عام 2008، ما أسفر عن مقتل العديد من الفلسطينيين، وعند توجّه "بيتسيلم" الى النيابة العسكرية بهذا الخصوص، أفادت الأخيرة أن "الأوامر التي تنصّ على استخدام هذه البندقية، التي تُطلق هذا النوع من الرصاص، هي ذات الأوامر المتعلّقة بإطلاق الرصاص الحي".
والواقع أن سنقرط ليس أول فتى يقتل بـ"توتو"، فقد سقط قبله كثير من المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، كما قُتلت مواطنة أجنبية واحدة به. ومن بين من قُتلوا بهذا الرصاص قبل عامين في الخليل، الفتى عز الدين الجمل (14 عاماً)، الذي كان برفقة مجموعة من الفتية الذين رشقوا بالحجارة الجيش الاسرائيلي، إضافة إلى سقوط جرحى كثر في قرى نعلين وبلعين وجيوس وبيتونيا وبدرس. وقد أُصيب الجرحى بصورة عامة بجروح بسيطة ومتوسطة في الأطراف.
واستناداً الى"بيتسيلم"، فإن "القواعد السارية على هذه الذخيرة متقاربة عموماً مع قواعد إطلاق النار السارية على الذخيرة الحية العادية. والجيش الإسرائيلي لا يعتبر استعمال بندقية روجر وسيلة لتفريق التظاهرات، أو أعمال الإخلال بالنظام، وأن هذه الوسيلة لا تشكّل بديلاً من استعمال الوسائل المخصصة لتفريق أعمال الإخلال بالنظام، مثل القنابل الصوتية والأعيّرة المطاطية وما شابه ذلك".
ويتّضح في تقرير "بيتسيلم" في بؤر التظاهرات في قرية نعلين، أن قوات الاحتلال تستعمل ذخيرة الـ"توتو" بصورة ثابتة تقريباً منذ نهاية عام 2008، وتُعتبر هذه الذخيرة وسيلة إضافية لتفريق التظاهرات".
وفي أحيان متقاربة يستعمل الجنود أعيّرة "توتو" إلى جانب وسائل أخرى لتفريق التظاهرات، مثل الغاز المسيّل للدموع والقنابل الصوتية. وتدلّ هذه السلوكيات على أن الجنود في الميدان وقادتهم يعتبرون أعيّرة "توتو" بمثابة وسيلة أخرى من بين الترسانة المتوافرة لديهم لتفريق التظاهرات.
ويضيف التقرير أنه "في أحيان متقاربة لا يتوفر للجنود السلاح المناسب لإطلاق العيارات المطاطية المخصصة لتفريق التظاهرات، بينما تكون أعيّرة "توتو" الذخيرة الوحيدة التي تبقى معهم. ويتجسّد هذا الواقع من خلال عدد الجرحى الذين أُصيبوا بهذا السلاح في تظاهرات نعلين: سقوط ما لا يقلّ عن 28 متظاهراً منذ البدء في استعمال هذه الذخيرة".
إن تحليل الأحداث التي قام خلالها الجنود بإطلاق أعيّرة "توتو" في نعلين، يُظهر أنه في معظم الحالات لم يكن هناك خطر على الجنود أو غيرهم، عند عملية الإطلاق ولهذا فإن استعمال الذخيرة الحية كان ممنوعاً.
لعلّ هذا بالضبط ما حدث أيضاً مع سنقرط، مع فارق جوهري، أن محمد لم يكن في تظاهرة، ولا في مواجهة مع جنود الاحتلال، وعليه لم يكن يشكّل خطراً حين عاجله قنّاص من خلف، فأصاب جمجمته، قبل أن تطأ قدماه باب مسجد عابدين القريب من منزله.