"تعرف فلانة...شوفتها وهي بتذاكر لعيالها؟"

03 ديسمبر 2015
تشتكي أمهات كثيرات من مذاكرة الأبناء (Getty)
+ الخط -
أحدّث نفسي كل يوم، ماذا يجب أن أفعل حتى لا أخسر ابنتي، ولا تنهار تلك العلاقة الخاصة بيننا بسبب المذاكرة؟ تحسم إحدى الأمهات الموضوع، فتقول إن الحل في الدروس الخصوصية، "لقد أوشكت أن أفقد أعصابي وأخسر أولادي وأفسد علاقتي بهم وتشويهي صورتي كأم، لذا استعنت بالدروس الخصوصية وأرحت بالي".

حتى أكون منصفة، أو على الأقل هذا رأيي الشخصي، فالمناهج المصرية هي مناهج قوية، مناهج تستطيع صقل قدرات الطفل اللغوية ومهاراته الاجتماعية وتطوير تفكيره، باستثناء المناهج الأدبية من جغرافيا وتاريخ، وإلا لماذا يتهافت المغتربون المصريون في دول الخليج على اقتناء نسخة من المناهج المصرية، ويبذلون قصارى جهدهم في سبيل الحصول عليها غير راضين عن مناهج تُدرَّس لأبنائهم في أكثر المدارس رقيا.

في إحدى المناقشات الجادة عن التعليم في مصر، قالت إحداهن "أولادي يدرسون المنهج البريطاني، وهم سعداء جدا به، ولكنني غير مرتاحة لأن المنهج في مصر أكثر دسامة وتركيزاً، خصوصا في مواد العلوم والرياضيات".

إذا كانت مناهجنا بهذا الشكل، أو نحسبها هكذا.. لما هذا الفشل الكامل والمتكامل في المنظومة التعليمية؟! لماذا أصبح البؤس والهم جزءا أصيلا في تكوين ملامح الطالب أو التلميذ المصري، لماذا لا يستمتع بتلك المناهج التي يصفها بعضنا "بالمناهج القوية".

كلمات كالصاعقة
تقاطعني طفلتي ذات الثماني سنوات أثناء المذاكرة لتقول لي "بلاش يا ماما تصعبي الأمور علي أكثر من صعوبتها"، كانت كلمات كالصاعقة وفي قوة الإعصار، فكيف أزيد من صعوبة الأمور على ابنتي، والمفترض أن دوري مجرد المساعدة في تبسيط الأمور. ولمن لا يعرف أو يسمع عن شكل الأمهات عموما، وقت المذاكرة مع أطفالهن يكفيه أن يقرأ هذه الكلمات المنتشرة على صفحات الفيسبوك: "تعرف فلانة؟….آه، شوفتها وهي بتذاكر لعيالها؟… لأ.. يبقى متعرفهاش".

اقرأ أيضا:المعلّمة البريطانية التي أحبطت الأم المصريّة

الأم لا تستدعي تلك الحالة عن طيب خاطر، ولكنها مضطرة أمام الكم الهائل من الدروس الملزمة لأطفالها يوميا، في ظل حرص إدارة المدرسة على الانتهاء من منهج طويل وعريض ومكدس بالمعلومات في وقت قياسي جدا. وقت لا يسمح بأي حال لأكثر التلاميذ تفوقا باستيعاب هذا المنهج بشكل كامل، فالوزارة تضع مناهج تتطلب على أقل تقدير عاماً دراسياً كاملاً بمعنى الكلمة، وليس عاماً دراسياً ملؤه الإجازات والمناسبات.

عام دراسي يتم اختصاره في شهرين للنصف الدراسي الأول، ومثلهما في النصف الدراسي الآخر، عام دراسي لا يجد فيه التلميذ مفرا من تكديس المعلومات في ذهنه، من الساعة الثامنة صباحا وحتى الساعة الثامنة مساء، وقت الإفراج عنه وذهابه إلى النوم.

لا فرح.. لا مرح
يوم كامل لا يتخلله أي نوع من الأنشطة، سواء في المنزل أو المدرسة، فالمدرسة لا تملك وقتا كافيا للأنشطة. يتم تخصيص العديد من حصص الأنشطة في جدول المدرسة، سواء في مجال الزراعة والكمبيوتر والمكتبة وغيرها من الأنشطة الترفيهية، ولكن لا وقت لها ولا أهمية لها، وطبقا للتخطيط الأفضل من قبل إدارة المدرسة، يمكن استغلال هذا الوقت في إنجاز المنهج والتخلص من تدريس الكم المفترض إنجازه في أيام الإجازات وعند العودة للمنزل بعد انتهاء اليوم الدراسي، لا مجال ولا وقت للأنشطة، فلدينا المزيد من الواجبات المدرسية.


يصبح كل تلميذ في ورطة، فما بالكم بتلميذ لأم عصبية، أو تلميذ لأم تريد دائما إنجاز الأمور على أكمل وجه، فكل نقطة علينا التركيز فيها وإعطاؤها كامل الحق، هنا يصبح من حق هذا التلميذ فعلا أن يقول "لا تصعب الأمور علي أكثر من صعوبتها".  

أتساءل في بعض اللحظات لماذا تضع وزارة التربية والتعليم "كورس" تعليمياً دسماً وثقيلاً، مع عدم وجود الوقت الكافي لاستيعابه ودراسته بمرح وحب، إضافة إلى احتواء المناهج على الكثير من المعلومات الثقيلة والمتخصصة بما لا تسطيع أي أم خارقة تريد مساعدة أبناءها على الفهم أن تساعدهم بشكل حقيقي.

أتساءل هل يصبح التعليم الحقيقي مقصورا حقا على فئات بعينها دون غيرها؟ فئات تستطيع دفع مبالغ كبيرة من المال في مدارس أرقى، وتدفع الأكثر مقابل دروس خصوصية لتوصيل المعلومة؟ أم نعود لمناهج أمل وعمر ويصبح التعليم حقا للجميع.  


اقرأ أيضا: العودة للمدارس... اقهر مشكلات المذاكرة

المساهمون