ليس خافياً أن الحديث عن الإسلام وتقديم تفسيرات حوله هو موضة النشر في الفترة الأخيرة في فرنسا. موضة يسير في ركابها باحثون في مجالات المعرفة والتعبير المتنوّعة، من الفلسفة إلى الرواية، مروراً بعلوم السياسة والتاريخ والنفس والاجتماع. عدد ليس قليلاً ممّن يساهم في هذه الظاهرة ذوو أصول عربية.
أحد هؤلاء، الباحث في الفلسفة عبد النور بيدار (1971)، والذي سطع نجمه في الشهور الأخيرة، بدايةً بتسلّمه أواخر 2014 (بعد رحيل عبد الوهاب المؤدب) إدارة البرنامج الحواري الشهير "ثقافات الإسلام" في إحدى أكثر الإذاعات جماهيرية "فرانس كولتور"، وصولاً إلى موقفه المهاجم لمجلة "شارلي إيبدو" في قلب موجة التعاطف معها إثر هجوم السابع من كانون الثاني/ يناير 2015 ما أطلق حملة ضدّه. وحين نشر بعد أسابيع كتيّب "رسالة مفتوحة إلى العالم الإسلامي"، حقّق رقم مبيعات تجاوز العشرين ألف نسخة.
مؤخّراً، أصدر بيدار كتاباً جديداً: "النسّاجون" مع عنوان فرعي "أن نُصلح معاً النسيج الممزّق للعالم" عن منشورات "ليليان كي ليبار" في باريس.
العمل، ونظراً لـ "النجومية" التي يحظى بها بيدار (تظهر صورته على غلاف الكتاب) وجد بسرعة من يكتب ويتحدّث عنه في الصحافة الفرنسية، إذ نقرأ مثلاً عنواناً في جريدة "لو فيغارو" (المحسوبة على اليمين المعتدل) يقول "بيدار: من أجل تحاشي حروب الهويات". وفي مقدّمة الحوار الذي أُجري معه، نقرأ "في ساعة الانكسارات الفرنسية، التفاؤل بالنسبة إلى بيدار مسؤولية".
في حوار آخر عن صدور الكتاب، أجرته معه جريدة "ليبيراسيون" (اليسارية) اختير عنوان طريف، حيث التُقطت عبارة بيدار "لقد مللت من الحديث عن الحجاب"، وكأن هدف المقال هو تبديل صورة المؤلّف، علماً أنه وُصف على مدى الحوار بـ "الفيلسوف الفرنسي"، وهو ما يذكّرنا بعنوان بورتريه له صدر في مجلة "جون أفريك" في نيسان/ أبريل الماضي؛ "بيدار: الدكتور إسلام".
في متن عمله، ينطلق صاحب "إسلام لوقتنا الحاضر" من الإشارة إلى الحاجة لإرساء علاقات جديدة بين الإنسان وعالم يتمزق، ليس فقط بتلك الصدامات الظاهرة (شرق - غرب، أو أغنياء - فقراء) وإنما أيضاً بسوء ترجمة القيم والنظريات على أرض الواقع، فالديمقراطية مثلاً تريد أن تكون التعبير السياسي لقيمة الحرية، لكنها تفضي إلى تشكيل أقطاب (يسار - وسط - يمين).
هنا، يستند بيدار على مفهوم "الأرثودوكسية المعمّمة" للمفكّر السياسي التونسي عياض بن عاشور ليفسّر كيف أن الوضع بات معه من الصعب الوصول إلى المطمح الكبير "كيف نكون أحراراً معاً؟"، حيث أن هذه الأقطاب تكون متشبّثة بمنطلقات فكرها للحفاظ على مواقعها ومصالحها ما يعيد إنتاج التمزّق، أي تباعد هذه الأطراف.
يخاطب بيدار الفردية، باعتبارها أرضية للخروج من هذا الوضع. يقول "أنا، أنت، وأنتم، نحن هم النسّاجون"، كل طرف من هؤلاء يتوجّب عليه أن يمسك قطعة من القماش لإصلاح العالم. هذه الفكرة التي تحتفي بها الصحافة الفرنسية تناقضها أفكار عديدة تحتفي بها أيضاً.