"الميكروباص" المصري: جريمة متنقلة

17 نوفمبر 2014
أزمة مواصلات في مصر(خالد دسوقي/فرنس برس/getty)
+ الخط -
رجال ونساء، شباب وكهول، مجموعة من البشر تنتظر ما لا يأتي ‏على موعده. ‏تمتد ساعات الانتظار، ويفتقد هؤلاء طاقتهم بلا جدوى. ‏يتأففون بصمت، يتبادلون ‏الحديث والشكوى. وأخيراً يأتي... مزدحماً. إنه "علبة السردين" أو "أتوبيس ‏هيئة ‏النقل العام في مصر". ووسط هذه الجموع البشرية، في محطة الانتظار المتهالكة ‏التي تخلو من أي مقعد للاستراحة، يقف محمد ‏بسيوني الموظف في وزارة الصحة. ‏ينظر إلى ساعته والقلق يسيطر ‏على ملامح وجهه.‏

النقل العام 
يروي بسيوني لـ "العربي الجديد" قصة سلب إنسانيته يومياً، ‏ويقول إن منزله يبعد ‏عن القاهرة حيث مكان عمله، بنحو 40 كيلومتراً. "استيقظت مبكراً قبل موعد ‏العمل بساعتين، وقد قمت بالكثير من الحسابات لدراسة الوقت الذي أحتاجه ‏لكي أصل إلى ‏عملي في موعده، ولكن بلا جدوى". ‏
ويتابع بسيوني "هكذا تضطر الغالبية العظمى من الموظفين ‏إلى التعلّق بأي طرف ‏من الأتوبيس، قد يكون الباب وقد يكون خلفية ‏الأتوبيس، ما يعرضنا إلى حوادث لا ‏حصر لها". ويلفت بسيوني إلى أن "غالبية الوقت ‏يتوقف الأتوبيس فجأة ويطلب السائق من ‏الجميع مغادرة الأتوبيس بعدما يصاب بعطل. والمحصلة ‏صراخ طوال الوقت".‏ ويضيف بسيوني "هيئة النقل العام في مصر لا تعرف شيئاً عن الوقت، ولا عن ‏أهمية ‏أرواح المواطنين".‏
معاناة بسيوني التي تختصر الحياة اليومية لكل من يستقل "ميكروباص" الدولة، ‏تسندها أرقام مدهشة. إذ يصل عدد أتوبيسات هيئة النقل العام في مصر إلى 4700 ‏أتوبيس، ‏أصبح ما يزيد على نصفها غير قابل للاستخدام.
أما الانعكاسات الاقتصادية لهذه الأزمة، فيقدرها الجهاز المركزي للمحاسبات بنحو ‏‏17 مليار جنيه (2.4 مليار دولار) سنوياً موزعة ‏بين ضياع الوقت على الطرقات، ‏والشلل المروري، وانهيار الطرق وتعويض القتلى والمصابين.
‏"حل أزمة المواصلات في مصر لن يأتي إلا عبر رفع الدعم عن كلفة ‏النقل العام، ‏وفتح الباب أمام الشركات الخاصة لتصميم الطرق، والعمل في هذا القطاع"، هكذا ‏يلخص أستاذ هندسة الطرق بكلية الهندسة‎‏ في القاهرة، وعضو لجنة تطوير النقل ‏التابعة لوزارة النقل، مجدي صلاح، الحل لهذه المشكلة. ‏
ويقول صلاح لـ "العربي الجديد"، إن ‏مجلس الوزراء ‏أطلق في الفترة السابقة خطة في هذا الشأن، "وبدأ السير على ‏الطريق الصحيح من ‏خلال تشغيل 50 أتوبيساً جديداً في القاهرة الكبرى، حيث يبلغ ‏سعر التذكرة 10 ‏جنيهات". ‏
ويضيف صلاح أن "الدولة ‏أعلنت عن تنفيذ 57 إجراء، تصب في خطة تشغيل ثلاثة ‏آلاف‎ ‎أتوبيس مكيّف، إذ إن بعض هذه الأتوبيسات سيكون بطابقين. وتصل ‏الكلفة‎ ‎الاستثمارية لهذه الأتوبيسات إلى نحو 4.7 مليار جنيه".‏
ويلفت إلى اتجاه "للتعاقد مع شركات ‏خاصة لتحصيل ‏رسوم‎ ‎الانتظار من السيارات. إلى جانب فرض غرامات‎ ‎يومية على ‏المصارف ‏والمتاجر الكبرى والمكاتب والمحال التجارية التي لا تمتلك مواقف للسيارات. ‏وغيرها العديد من الإجراءات التي من شأنها توفير التمويل ‏لإجراء تغيير شامل في ‏منظومة النقل في مصر". ‏
إلا أن خبير المرور في الأمم المتحدة ومساعد وزير ‏الداخلية للمرور سابقاً، اللواء ‏يسري الروبي، قال إن الأزمة الحقيقية في هذا الملف هي ‏طريقة معالجتها "حيث يعتبر البعض ‏أن رفع الدعم أو تقليصه ‏قد يؤدي إلى حل المشكلة، ويعتقد البعض الآخر أن إسناد ‏الطرق ‏لشركات خاصة أو للقوات المسلحة يعتبر حلاً".‏
ويشرح الروبي "هذه الآليات لا ‏جدوى منها على الإطلاق طالما لم تتم مراعاة ‏التدريب والتأهيل بدءا ‏من المشرع الذي يضع قوانين المرور، وصولاً إلى السائق ‏والضابط وأمين ‏الشرطة المسؤول عن تنظيم المرور في مصر".‏
ويضيف الروبي "ما يزيد الدهشة أن ‏تلك ‏الحلول عمل بها رئيس مجلس الوزراء إبراهيم محلب عندما اكتشف ‏أن الشركة التي كان يترأسها ‏"المقاولون العرب" تكلفت خسائر تقترب من 12 ‏مليون جنيه، فاتجه فوراً إلى تدريب‎ ‎أكثر من ألف سائق لمدة ‏سنة ونصف. وبعدها حققت شركته عائدات ضخمة من خلال تفادي عدد كبير من الحوادث والمخالفات التي تلحق الضرر بسمعة الشركة".
فلماذا لا يخشى رئيس الوزراء على حياة ‏ملايين ‏المصريين ومصالحهم، مثلما يخشى على سمعة شركته؟
دلالات
المساهمون