"الموسم الروائي" الفرنسي: النجوم في الواجهة

20 اغسطس 2014
الروائي الفرنسي أوليفييه آدم (تصوير: جيروم مارس)
+ الخط -

"الموسم الروائي" ظاهرة فرنسية بامتياز وتقليد ثقافي لا نظير له في البلدان الأخرى. فليس هناك بلد غير فرنسا تقرر فيه دور النشر الكبيرة والصغيرة أن تنشر معظم الروايات المبرمجة خلال العام دفعة واحدة وفي وقت وجيز يمتد من نصف آب/ أغسطس إلى أواخر تشرين الأول/ أكتوبر حيث يصل الموسم إلى ذروته بمنح الجوائز الأدبية المختلفة في صنف الرواية الفرنسية والأجنبية.

ويستفيد الموسم من مواكبة إعلامية واسعة تساهم فيها بشكل كبير الصحافة الثقافية في وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة، بالإضافة إلى المواقع وشبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت. موسم هذا العام شهد ارتفاعاً طفيفاً مقارنة مع المواسم الماضية حيث بلغ مجموع الروايات المنشورة 607 رواية، منها 404 رواية مكتوبة بالفرنسية والباقي مترجم عن اللغات الأجنبية.

ونظراً إلى انخفاض مستوى المبيعات في الشهور الأخيرة، راهنت دور النشر في هذا الموسم على الأسماء الروائية المكرّسة لضمان نسبة عالية من المبيعات. وهذا ما يتناقض مع السياسة التقليدية لدور النشر الفرنسية التي دأبت في العقود الأخيرة على المجازفة والرهان على الروايات الأولى والأسماء غير المعروفة خلال الموسم الروائي وتخصيص بداية العام، في عز فصل الشتاء، للنجوم وللأسماء المكرسة التي تستقطب قراءها من دون حاجة إلى صخب الموسم وماكينته الإعلامية الضخمة.

ووفقاً لمجلة "ليفر إيبدو"، المتخصصة في سوق الكتاب، فإن معظم دور النشر وضعت أسماءها الكبرى في الواجهة ورفعت من أرقام سحب الروايات. وتحتل الكاتبة الشهيرة أميلي نوثومب بروايتها " بيترولين" التي تنشرها دار "ألبان ميشال"، المرتبة الأولى بمئتي ألف نسخة. ونوثومب روائية غزيرة وصل سجلها إلى 21 رواية حتى الآن.

يليها الكاتب فريديريك بيغبيدي بمائة وعشرين ألف نسخة من روايته "أونا وسالينجر" عند دار "غراسي" والذي سبق وفاقت مبيعات رواياته في المواسم الماضية أكثر من 300 ألف نسخة، وهو كاتب معروف بنزعته النرجسية وطلاّته الاستفزازية في وسائل الإعلام.

أما المرتبة الثالثة فعادت للكاتب إيمانويل كارير وروايته "المملكة" الصادرة عن دار "بول" التي طبعت مائة ألف نسخة. وإيمانويل كاريير كاتب راسخ متعود أيضاً على بيع عشرات آلاف النسخ من رواياته ويحظى بشهرة واسعة وسبق له أن فاز بجائزتي "رونودو" و"فيمينا".

عدة دور نشر أخرى سارت في الاتجاه نفسه وإن كانت أكثر حذراً في ما يخص أرقام السحب. فدار "فلاماريون" مثلاً تراهن على الكاتب الممتاز أوليفييه آدم وروايته الجديدة "تعب من دون طائل". ودار "غاليمار" وضعت آمالها في الكاتب دافيد فوينكوس وروايته الأخيرة "شارلوت" للبقاء في حلبة الدور الرابحة في هذا الموسم. وأشهرت باقي دور النشر الأخرى أيضاً كتّابها المعروفين في الساحة الأدبية الفرنسية وخارجها، مثل باسكال كينيار الفائز السابق بجائزة "غونكور" وبرنار هنري ليفي ولوران موفينيي وليدي سالفير وأليس فيرني.

ودائماً في إطار خطة استباقية لتأمين أكبر عدد من المبيعات، حرصت دور النشر على ترجمة أسماء أدبية راسخة في المشهد الروائي العالمي. وسيكون بإمكان القارئ الفرنسي أن يطّلع على آخر إصدارات الياباني هاروكي موراكامي والأميركي توماس بينتشون والإيطالي انطونيو تابوكي والبريطاني حنيف قريشي، بالإضافة إلى الكاتبة الكندية أليس مونرو الحائزة على جائزة نوبل الأخيرة.

اللجوء إلى النجوم والكتاب المكرسين في هذا الموسم كانت نتيجته الحتمية تقلص روح المجازفة وتراجع عدد الروايات الأولى حيث لم يُنشر منها سوى 75 رواية لكُتاب مجهولين أو مبتدئين ينشرون لأول مرة. وتبدو مهمة هؤلاء في جذب الانتباه إلى نصوصهم وسط زحام الموسم الشديد أشبه بمهمة مستحيلة، إن لم نقل انتحارية. لكن هناك دائماً أمل، ولو كان ضئيلاً، في أن يبزغ اسم جديد ويسحر القراء ورواد المكتبات. والواقع أن التاريخ الأدبي الفرنسي برهن من خلال نماذج كثيرة على أن الروايات الأولى قد تحقق نجاحاً نقدياً وجماهيرياً مفاجئاً ومبيعات أعلى من روايات الكتّاب المعروفين. بل إن جائزة "غونكور" الرفيعة وغيرها من الجوائز المخصصة للرواية مالت كفّتها أكثر من مرة إلى كتّاب مجهولين نشروا نصوصهم لأول مرة ودخلوا عوالم الشهرة من أوسع الأبواب.

الملاحظ في هذا الموسم عدم بروز مرشّحين أقوياء للجوائز الرفيعة، خاصة "غونكور" التي تمثل حلم أحلام الروائيين الفرنسيين، مبتدئين كانوا أم مكرّسين، والتي فاز بها العام الماضي الكاتب بيار لوميتر عن روايته "إلى اللقاء في الأعالي". وسيتم الإعلان عن الفائز بدورة هذا العام في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.

موسم هذا العام يبدو فاتراً من الناحية الإعلامية خلافاً للمرات السابقة. فالساحة الأدبية الفرنسية معروفة بولعها بالفضائح والجدال الساخن والقصص المثيرة حول الكُتّاب التي عادة ما تسبغ على الموسم نكهة خاصة وتسلط عليه أضواء الإعلام بقوة. وهو أمر مرحَّب به في الموسم الروائي الفرنسي حيث عادة ما يتم التعامل مع الفضائح المدوية وكأنها بهارات ضرورية للمادة الأدبية.

لكن حتى الساعة الأمور هادئة تماماً على جبهة "الموسم الروائي": لم يتحدث أحد عن سرقة أدبية ما، وهي التهمة الأكثر خطورة وفضائحية في سلم "الجرائم الأدبية"، ولم تندلع بعد الاتهامات بين الروائيين أو بين دور النشر نفسها لسبب أو لآخر. كما أن لا أحد ندد بفضيحة أخلاقية اكتشفها بين سطور إحدى الروايات، مثلما حدث أحيانا في المواسم السابقة.

بقي أن نشير إلى أن الموسم الروائي الفرنسي هو أيضا نشاط تجاري مربح تُقدّر إيراداته بالملايين ويشغّل آلاف الأشخاص وينعش العديد من القطاعات الإنتاجية. وربما يكفي تأمل هذا الرقم البليغ لنفهم خلفيات الولع الفرنسي بالموسم الروائي، فقد بلغ مجمل مبيعات موسم العام الماضي بين منتصف آب/ أغسطس وتشرين الأول/ أكتوبر مليون ومائتي ألف كتاب!

المساهمون