"الفنر": مطعم إمارتي أصيل

19 أكتوبر 2014
مطعم الفنر في دبي (العربي الجديد)
+ الخط -
في منطقة "فيستيفل سنتر" في دبي، ذات الأبنية الحديثة، يُفاجأ الزائر بديكورات قديمة تعود إلى ستينيات القرن الماضي. يرى الزائر سيارة لاندروفر قديمة زرقاء، وبعض البدو الراكبين على الجمال، ومنهم من امتطوا الحمير، فيما آخرون يقودون الدراجات الهوائية. إنهم عمال باكستانيون يعملون في السوق. خليط من نمط حياة البدو، والطواشة (صيادي اللؤلؤ). هؤلاء أغنياء تلك الفترة، تجد في بيت أي منهم كلّ وسائل الرفاهية، من راديو وتلفزيون وسجاد. لسنا أمام ديكورات فيلم سينمائي، بل أمام مطعم ومقهى "الفنر"، أول مطعم إمارتي في المولات (المراكز التجارية) الحديثة.

صاحب المطعم والمقهى، هاشم المرزوقي، يقول لـ "العربي الجديد": "حياتنا كلها قصص. عندما أشاهد فيلماً، أهتم بكيفية صناعته، وكل قصة هذا المطعم والمقهى لسّد هذا الفراغ بمشروع جديد قديم. وبالفعل، لم أجد مطاعم إماراتية بكل معنى الكلمة، في المولات ولا في خارجها. حتى في رحلات "سفاري" التي يتم ترويجها سياحياً، تقدم فيها الأطباق اللبنانية! ولا صلة لذلك بتراث الإمارات، مع كل الاحترام والتقدير، والمفترض أن تُقدم فيها الأطباق الإماراتية الأصيلة، بمصاحبة تقديم تراثنا في البرّ، ما دمنا نريد أن نقدم نمط الحياة الإماراتية للسياح كما هو مُعلن، ودهشتي كانت كبيرة عندما أقبل المواطنون الإماراتيون بنسبة 95% على المطعم".

يقدم "الفنر" أسلوب حياة كان سائداً، والمشاعر تختلط في أذهان زبائن المطعم وهم يزورونه. منهم من يبتسم، ومنهم تلحظ دموعاً في عيونهم. آخرون يراودهم الحنين إلى بيوت افتقدوها وسط المباني الحديثة في دبي. لماذا عاد "الفنر" إلى الستينيات تحديداً؟ يقول المرزوقي: "الستينيات تمثّل جوهر الإمارات، ونحن شهدنا نقطة تحوّل سريعة تختلف عن البلدان الأخرى، مفاجئة، تبدو سريعة كلمح البصر، حتى بدأنا نفتقد كل شيء قديم وتراثي في بيوتنا. غمرتنا الحداثة بكل صرخاتها وأثوابها، حتى الأغاني كانت تحمل آمالنا وآلامنا. من يسمع الآن ميحد حمد، والأغاني الشعبية الأخرى؟".
استوحى المرزوقي كل شيء من التراث، حتى "لائحة الطعام" موضوعة بين دفتي "المهفة"، وهي المروحة اليدوية التي كانت تستخدم لطرد الحرّ. وعندما يطلب الزبون الفاتورة، يأتي النادل بقارورة يرش منها ماء الورد على رؤوسهم وبين أيديهم ليتعطروا بها. وحرص المرزوقي على أن يبث الأغاني الشعبية المصاحبة للطعام، لكي يستحضر الأجواء كاملة. كما يرفع صوت الآذان في أوقاتها المحددة، حتى نُدل المطعم يرتدون الزي الذي كان سائداً: النعول والكحفية والوزرة والكندورة.

ويطغى على المكان اللونان البني والفستقي، وهما لونا البيت الإماراتي، وينعدم اللون الأخضر، لأن البيئة الصحراوية كانت السائدة. ونجد، أيضاً، الصحون التي كانت تُستخدم، مزركشة ومنقوشة بالورود. ولإشباع فضول الزبون، تم تصنيع تلك الصحون القديمة، وعرضها في إحدى زوايا المطعم، وكذلك بيع أنواع الطعام.
كلفت الديكورات أثماناً باهظة، بلغت خمسة ملايين درهم، الكرسي الواحد يكلف 150 دولاراً والطاولة 400 دولار على مساحة 15 ألف قدم مربعة.
يشير المرزوقي بيده: "هل ترى هذا الصندوق القديم؟ جاء به زبون، وقال إنّه يعود إلى زمن جدته، وأهداه إلى المطعم. مواطنون إماراتيون كثيرون يشاركونني في توفير موجودات قديمة، وبالإضافة إلى ذلك، يتدخلون في كيفية طبخ الطعام الإماراتي. أحد الزبائن قال لي إن طباختهم العجوز بارعة في صنع اللقيمات، وجاء بها إلى المطعم، وآخر اقترح علينا عمل "الخبيصة" على الطريقة القديمة، فقبلنا الفكرتين. المطبخ الإماراتي يستوعب الأطباق الأخرى، ويبقى الهريس والثريد والخبيص واللقيمات من أشهر وجباته، ونحرص على تقديم التوابل الأصلية، ذات النكهات الإماراتية الخالصة".

يسود المطعم جو من الحميمية يضفيه الندل والعاملون فيه، على اختلاف جنسياتهم وقومياتهم. يخرج الزبائن بروح حميمية للغاية، وكأنهم عاشوا الستينيات بكل تفاصيلها، واستعادوا زمناً مضى، يحمل بصمة واحدة: الحياة الإماراتية القديمة التي تحافظ على الهوية الوطنية على مرّ الزمن.






دلالات
المساهمون