"الفتاة في القطار": كل شيء محتمل

13 فبراير 2017
(إيميلي بلانت في لقطة من الفيلم)
+ الخط -
مع فيلمه "المساعدة" (2012)، المقتبس عن رواية مواطِنته كاثرين ستوكيت، أثبت المخرج الأميركي تيت تايلور (1969) أنه أحد الذين يحسنون التعامل مع النصوص الروائية عند تحويلها إلى الشاشة الكبيرة، وهو حكم يتعزّز أكثر بآخر أفلامه "الفتاة في القطار" (2016) المقتبس عن العمل الروائي الرائج لـ بولا هوكينز.

في أول مشاهد العمل تظهر راشيل (أداء إيميلي بلانت) المرأة المطلقة، لتحكي لنا عن روتينها اليومي الذي يبدأ بركوبها القطار مرتين يومياً، وجلوسها في نفس مقعدها في العربة الثالثة ومنه تتأمل شريط المنازل المقابلة لها، حيث يوجد منزلها المفضّل؛ المنزل رقم 13، المكان الذي يعيش به سكوت وصديقته ميغان.

راشيل كانت تقطن في الماضي بجانب منزلهما مع طليقها توم، الذي كان يخونها مع آنا زوجته الحالية. الذاكرة السيئة لراشيل مع الحب جعلتها ترى دائماً في الثنائي سكوت وميغان العلاقة المثالية بين الرجل والمرأة.

بعد ذلك، تتولّى ميغان رواية الأحداث. نتعرّف من خلال صوتها الذي يُخفي حزناً قديماً، على شابة مضطربة هي الأخرى، تحضر جلسات علاج نفسي، ولا تبدو مستمتعة بأي شيء في حياتها التي تظهر لراشيل مثالية وساحرة من مقعدها خلف نافذة عربة القطار.

تلاحظ راشيل شيئاً غريباً، ذات مرّة، بينما كانت تمارس هوايتها في مراقبة البيت رقم 13 وقاطنيه، فالرجل الذي يحضن ميغان في شرفة البيت ليس هو صديقها سكوت. تترّدد راشيل ثم تقرّر إخبار سكوت بأن صديقته تخونه، فتنقلب الأحداث ويصبح معالجها النفسي هو المتّهم، خصوصاً بعد اختفاء ميغان في ظروف غامضة، ليصبح الجميع متّهمين بمن فيهم راشيل التي تعدّ شهادتها أضعف من باقي المتهمين لأن الإدمان دمّر حياتها، وجعلها تعاني غياباً في الذاكرة وصعوبة في استرجاع الأحداث.

على طريقة هيتشكوك يصبح كل حدث جديد مناقضاً لما سبقه. حالة راشيل جعلت كل كلامها محتمل الحدوث ولكنه ليس مؤكداً، ما يسلّمنا إلى شك في كل ما نشاهده. كما تزيد هذه الطريقة المخاتلة من رغبتنا في البحث عن الحقيقة التي تصبح أكثر جنوناً عندما سنكتشف في النهاية أن سكوت زوج راشيل السابق كان يخون زوجته الحالية أيضاً مع ميغان التي قتلها بعدما عرف أنها حامل. وهي الشخصية التي كانت بعيدة عن دائرة الاتهام.

الفيلم احتفظ كثيراً بعنصر التشويق الذي وسم أسلوب الرواية. وجارى وسائل السرد بلغة بصرية توهم في كل مرة بالوصول إلى نهاية مسار حتى يبدأ آخر. في كل مرة، كان القطع يحجب عنا أشياء نتلهف لمعرفتها، ثم يفتح باباً آخر للسرد.

سمات سينما التشويق حاضرة في هذه الدراما النفسية؛ حيث يسير الشكل والمضمون في توازٍ يعطي الأفضلية أحياناً للشكل أي أن تصير الأهمية للكيفية التي تُروى بها القصة وليس للقصة نفسها. والوصف الذي أطلقه قراء الرواية على عمل هوكينز بأنها رواية لا تتركك بعد أن تنطلق في قراءتها، هو كلام يصدق أيضاً على الفيلم الذي يزيد معه الإحساس باضطراب الشخصيات وتيهها وسط بحر من الشك.

ثمة أعمال كثيرة نستحضرها ونحن نتابع فيلم "الفتاة في القطار" مثل فيلم "فتاة غائبة" (2014) لديفيد فينشر، المقتبس أيضاً عن رواية ناجحة لـ غيليان فلين، فالتشابه بينهما قائم على استحضار البناء السردي الملغز لأغاثا كريستي وتأثرهما بها. كما أن الأحداث المغلفة بطبقات غموض سميكة تذكّرنا بفيلم "استهلال (2012) لـ كريستوفر نولان؛ من حيث استخدام الشخصيات لوسائل ذاتية ملموسة تمكنها من معرفة حقيقة انتمائها إلى عالم الواقع أو الأحلام.

فيلم "الفتاة في القطار" يضعنا أمام حالة نفسية مشابهة إذ نجد أنفسنا أحياناً غير مدركين لاتجاه سير الأحداث في ظل تجاذبها بين الماضي والحاضر والطريقة النفسية الفريدة التي يقدّمها بها المخرج، ونبقى دائماً متشكّكين حول مصداقية الخطاب الذي تقدّمه كل شخصية.

المساهمون