"الغريب" وحرب لبنان: في الأمس كان الفلسطيني واليوم السوري

13 ابريل 2015
آثار الحرب لا تزال موجودة في شوارع بيروت(فرانس برس)
+ الخط -

طالما أنّ الحرب وقعت اليوم في معظم المحيط الإقليمي، لا بد أن تكون التجربة اللبنانية درساً لجميع من يخوض الحرب اليوم، بخلاصاتها وأخطائها. تبقى أهمية هذه التجربة في هفوات إعلان إنهاء الحرب اللبنانية، ومبدأ التحايل على الذات وإقناع هذه الذات أنه بغضون لحظات، فتحت المناطق المتحاربة أبوابها على بعضها البعض، وعفا الله عما مضى، وأنّ ردم متاريس المقاتلين وإسقاط أبراج القناصة يمكن أن يتمّا بسهولة فائقة. كل هذه الشكليات يمكن إضافتها إلى الأزمة الأساس في الحكم والدستور والنظام التي لا تزال تنتج حتى اليوم حروباً داخلية صغيرة.

مع اشتعال المنطقة العربية بالثورات والانقلابات والثورات المضادة، يشعر اللبنانيون من جديد بخطر الحرب الأهلية. في الأساس لم يغادرهم هذا الشعور يوماً، منذ حرب 1975 وقبلها عام 1958. لكن في التطوّرات الحاصلة على المستوى العربي، قلق وخوف من تكرار الوقوع في الفخ نفسه، وخصوصاً أنّ القسم الأكبر من اللبنانيين لا يزال يؤمن بأنّ ما حصل قبل أربعين عاماً هو مجرّد "مؤامرة" لا يتحمّل مسؤوليتها سوى "غريب ما". ضمنياً وعلناً، يتجه أغلب الزعماء خلال مخاطبة أنصارهم إلى القول إنّ ما جرى ليس سوى "حرب الآخرين على أرضنا". كان الفلسطينيون هم "الآخر" في الحرب الأهلية، أما اليوم فيمكن لـ "السوريين" أن يشغلوا هذا الدور.

لعنة اللجوء والتشرد التي أنزلها النظام السوري على شعبه ليس من تبعاتها التهجير والذل والموت والتشرّد فحسب، بل تلحق بها تهمة تهديد السلم الأهلي اللبناني. يجتمع اللبنانيون اليوم، بمختلف انتماءاتهم الطائفية والسياسية، حول فكرة أنّ اللاجئين السوريين يشكلون الخطر الرئيسي على الكيان اللبناني. بالنسبة لمسيحيي لبنان، عاد "الغريب" ليحيك مؤامرته، فخلع الكوفية الفلسطينية وحمل العلم السوري. كما تشارك الطائفة الشيعية، بقيادة ثنائي حزب الله - حركة أمل، المسيحيين نظرة اعتبار اللاجئين السوريين قوّة سنية قادرة على تغيير الديموغرافيا الداخلية، من خلال ضرب التوازن المفقود أساساً بين المسيحيين والمسلمين من جهة، وإحداث الخلل في التركيبة بين السنة والشيعة من جهة أخرى. في حين أنّ أبناء الطائفة السنية وجدوا في الأشهر الأخيرة في اللاجئين عبئاً بات يهدّد بالانفجار سياسياً وأمنياً واجتماعياً.

تصنّف القوى اللبنانية اللاجئين السوريين كما سبق وصنّفت اللاجئين الفلسطينيين، ولو أنّ الفوارق كبيرة بين الحالتين والمرحلتين مع اختلاف الظروف والمشاريع. وفي حال التسليم بأنه كان لمنظمة التحرير هدف إعلان دولة فلسطين على أنقاض الدولة اللبنانية، فهل يسعى الشعب السوري وراء هدف مماثل اليوم؟ دولته موجودة وهو يحارب من أجل استعادتها من نظام الأسد والمتشدّدين الإسلاميين. حتى أنّ أسس أو شروط هذا المشروع غير موجودة أساساً، لا في التمويل ولا الدعم الدولي، ولا حتى في إيجاد صيغة زعيم يقود مشروعاً مماثلاً. لا بواخر محملة بالسلاح تصل للاجئين إلى خيام النايلون، ولا مواقف دولية داعمة في هذا الاتّجاه، بل العكس تأكيد أممي وعربي على استقرار لبنان، وإبعاده عن ساحة المعركة.

يستمرّ اللبنانيون في البحث عن عامل خارجي، في الداخل والخارج، يلقون اللوم عليه لتبرير صراعاتهم، كقميص عثمان بالتحديد، ولو أنّ في أداء بعض الأحزاب ترجمة فعلية للحرب الأهلية. اليوم، يرى كثيرون أنه لا بد أن ينبعث الخوف من سلوكيات أحزاب لبنانية تعمل وفق مبدأ "طريق فلسطين يمرّ من سورية" من خلال توليها قيادة حرب نظام الأسد. أطراف لبنانية يحلو لكثيرين اعتبار أنها تؤدي دوراً فائق الخطورة على النسيج اللبناني، لناحية التمهيد لحرب أهلية جديدة محتملة. فالقاعدة التي أرساها الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، في دعوته "خصوم" الداخل للذهاب والتقاتل مع حزبه في سورية، ليست، برأي كثيرين، سوى تأجيل الانفجار في الداخل اللبناني، ذلك أنّ الحرب ليست لعبة يمكن التحكم بقواعدها وحدودها ومدتها الزمنية. كما أن سورية قريبة جداً من لبنان، لا بل تكاد تكون شأناً لبنانياً داخلياً، ويصعب تفادي نيرانها حين يكون هناك طرف لبناني يشارك بشكل أساسي في إشعالها.

إذا كان لا بد من "غريب" يعيد افتتاح موسم الحرب الأهلية اللبنانية، فلا بد من البحث عن هذا "الغريب" في المكوّن اللبناني نفسه.

المساهمون