لم يسلم "الشربوت" المشروب الشعبي السوداني الذي ارتبط بعيد الأضحى المبارك من يد التحديث والتطوير، إذ دخلت شركات منافسة إلى عالم "الشربوت" لتنافس ربات البيوت في صناعته التقليدية، وتدفع به إلى الأسواق في قنينات بأشكال مختلفة.
و"الشربوت" مشروب اشتهر به قدماء النوبة في شمال السودان، وأصبح جزءاً من ثقافتهم، ومنهم انتشر لبقية أنحاء السودان، وبات مشروباً يُجمع عليه السودانيين فقراء وأغنياء، شيبا وشبابا.
ويرتفع شأن "الشربوت" عادة في عيد الأضحى في جلسات الأنس، ويتم إعداده قبل يوم أو يومين من العيد. فيغلى التمر وتضاف إليه كميات محددة من الماء إضافة للبهارات (قرفة، زنجبيل، هبهان، غرنجال). يوضع الشراب في إناء كبير ليتخمر، وهو مشروب أشبه بالنبيذ. ويحرص بعض السودانيين على أن لا يصبح مسكرا، في حين يضيف آخرون الخميرة له ليكون حاذقا.
وتحول "الشربوت" في السنوات الأخيرة إلى مصدر رزق للكثيرين، ومع الظروف المعيشية القاسية وتفاقم الأزمة الاقتصادية وتصاعد معدلات الفقر في البلاد، درج بعضهم على بيعه، إذ يجد إقبالاً من الأسر التي لا تسعفها الظروف لإعداده في البيت بسبب ضيق الوقت والعمل.
وتؤكد نفسية (40 عاما) أنها اعتادت على صناعة "الشربوت" في كل أضحى ليشكل مصدر رزق أساسي لها يعينها في تصريف أمور بيتها، وخاصة أنها تعيل أسرة من ثلاثة أفراد فضلا عن والدتها الكفيفة بعد أن توفي زوجها قبل سنوات. وتشير إلى أنه أصبح لديها زبائن محددين يتواصلون معها قبل أيام من العيد لحجز طلبياتهم.
ويرجح بعض المحبين لشراب "الشربوت" أنه يساعد أنزيمات الجهاز الهضمي بعد الإفراط في تناول اللحوم أيام العيد فيسرّع عملية الهضم. غير أن دراسات حديثة كذبت ذاك الاعتقاد السائد، واكدت أنه يحتوي على نسبة من الغازات والأحماض التي تعيق عملية الهضم وتؤدي إلى زيادة غازات البطن، وبالتالي سوء الهضم والتخمة والحرقان.
ورغم المحاذير الدينية والصحية من "الشربوت" إلا أن السودانيين ما زالوا متمسكين به، وينتظرون العيد للارتواء منه.
كما يمثل "الشربوت" مظهرا اجتماعيا، إذ يشرب عادة في مجموعات، وخاصة أن السودانيين درجوا على قضاء العيد بشكل جماعي، فتجتمع الأسر الكبيرة عادة، كل يوم في منزل محدد، يلتقي فيه الجميع لتناول الفطور والغداء والعشاء، وتمتد الذبائح طيلة أيام التشريق الأربعة، ويكون "الشربوت" ملك الجلسات.
تقول رشا (28 عاما) إن مهمة إعداد الشربوت توكل إلى جدتها، وكذلك توزيعه على الأسرة ككل باعتبار أنها خبيرة في صناعته. وتضيف "لا نستسيغ إلا الشربوت الذي تصنعه جدتي رغم محاولات بعض من في الأسرة منافستها".
وتؤكد رشا أنها وعائلتها في العادة يذبحون الأضاحي معاً، ويقضون أيام العيد الأربعة متجولين في البيوت المختلفة بين إفطار وغداء وعشاء.
وتضيف "هناك منازل لعائلتي الممتدة لا أدخلها إلا في عيد الأضحى أو في المناسبات بسبب مشاغل العمل وضغطه، ليكون العيد مناسبة لزيارة الأهل وقضاء أوقات طويلة معهم".