مقابل الأرشيف الذي جرت عمليات عنيفة لمحوه وتشويهه والتنكيل به، صعد أرشيف آخر جرى تزييفه هو أرشيف الرواية الصهيونية، واستخدم هذا الأرشيف كأداة تبييض وغسيل للتاريخ المظلم للاحتلال.
ومن خلال الأرشيف جرى تسويغ انتهاك حقوق الإنسان، ونزع ملكيات الأراضي، وبناء المستوطنات وغيرها من الممارسات العنفية، التي كان أحد أساساتها محو أرشيف الوجود الفلسطيني ما قبل عام 1948، وبالتالي التمهيد لمحو الفلسطينيين ومحاولة تطهيرهم العرقي التي بدأت مع النكبة.
في حين يعاني الأرشيف الفلسطيني من تشرذمه، وعدم القدرة لغاية اليوم على استخدامه بشكل فاعل وممأسس في عملية المقاومة الثقافية والسياسية، تجد أن الأرشيف الصهيوني تحوّل إلى آلية متطوّرة تنتمي إلى مجموعة معقدة من الآليات الاستعمارية، والهيمنة التي تعمل في مجالات متنوّعة مثل التعليم والإعلام والقانون والتخطيط والتمويل.
لذلك يعد تأثير هذه الآليات التي تشارك في انتهاكات حقوق الإنسان، أو في تقديمها على غير حيقيتها، على حياة الفلسطينيين مدمراً، ويعدّ الحفاظ على السردية البديلة وتقديمها أحد أساليب مقاومة هذه الآليات وتعريتها.
من هنا، نجد أن مسألة الأرشيف متشعّبة الارتباطات بين علاقتها بالتاريخ والاستعمار والسلطة والاحتلال، وحول هذه التشعّبات يقيم "المتحف الفلسطيني" في رام الله ندوة عند الثانية عشرة من بعد ظهر الإثنين، 23 من الشهر الجاري تحت عنوان "الأرشيف في السّياق الفلسطيني".
يشارك في الندوة الأكاديمي السوري منير فخر الدّين من الجولان المحتل، وهو متخصّص في التاريخ الفلسطيني الحديث، كما يحضر الأكاديمي وأستاذ التاريخ روجر هيكوك عبر سكايب، إلى جانب مشاركة الفنّان عبد الله غسّان.
ووفقاً لبيان المتحف، فإن الندوة تسائل العلاقة بين الأرشيف والسّلطة، والأرشيف والنّاس. ما هي العلاقة بين الأرشيف والسّلطة والهيمنة الاستعمارية؟ لماذا هذا الاهتمام بالأرشيف والأرشفة؟
كما يطرح المشاركون أسئلة من نوع: هل نُؤرشف ما هو حيّ أم ما هو ميّت؟ وهل الأرشفة تعني موت الأشياء وخروجها من السّياق المُعاش؟ كيف نؤرشف فلسطينيّاً في ظلّ غياب الدّولة؟ كيف يُمكن استخدام الأرشيف كأداة قوّة ومقاومة؟ وما هي العلاقة بين الأرشيف والفنّ؟