بوتين "المتسّخ" بأصدقائه
على الرغم من أن "أوراق بنما" لا تُظهر اسم الرئيس الروسي بشكل مباشر، إلا أن ما تكشفه من معلومات تظهر أن مجموعة من الصفقات المشبوهة بقيمة ملياري دولار، والتي أدارها أصدقاؤه المقربون، واستفاد منها بعض أفراد عائلته، ما كان لها أن تتم من دون رعاية الرئيس الروسي نفسه.
تظهر "أوراق بنما" أن سيرغي رودغولين، الصديق المقرب من بوتين، كان الرجل الرئيسي في شبكة الفساد، التي استفاد منها أصدقاء بوتين المقربون، وعائلة بوتين نفسه، ولا سيما ابنته كاترينا. وتكشف الأوراق لأول مرة، أن بوتين يمتلك 12.5 في المائة من أسهم أكبر شركة إعلانات تلفزيونية روسية، والتي تكسب ما يقارب المليار و144 مليون دولار، بالإضافة إلى منح رودغولين حصة محدودة في شركة صناعة السيارات والشاحنات الروسية "كاماز"، و15 في المائة من شركة "رايتار" المسجلة في قبرص، بالإضافة إلى تملكه 3.2 في المائة من بنك روسيا.
يوري كوفالتشوك، والذي يدير "بنك روسيا"، صديق آخر لبوتين، تُظهر "أوراق بنما" تورّطه في تحويل مليار دولار لشركة خاصة، عن طريق البنك. وكانت الولايات المتحدة الأميركية، بحسب صحيفة "ذا غارديان"، قد اتهمت كوفالتشوك بأنه يدير بشكل شخصي الأعمال البنكية لمسؤولين حكوميين روس، على رأسهم بوتين.
وتظهر "أوراق بنما" أن كوفالتشوك قام بتحويل مليار دولار، على الأقل، عن طريق بنك روسيا إلى شركة "ساندلوود كونتيننتال"، وكان مصدر هذه الأموال عبارة عن سلسلة من التمويلات المالية التي دفعها "البنك الروسي التجاري" في قبرص، والذي تسيطر عليه روسيا، بالإضافة إلى تمويلات من قبل بنوك أخرى في قبرص. وتشير "ذا غارديان" إلى عدم وضوح أسباب تمويل هذه البنوك، لشركة "ساندلوود كونتيننتال" والتي لن تُعرف إلا كشركة غير موثوقة، إذا تحدثنا في إطار التعاملات المالية المعتادة، هي من الشركات التي أنشأتها بصيغة ما، مؤسسة "موساك فونسيكا" والتي كُشفت الملايين من وثائقها، منذ السبعينيات إلى 2016، في فضيحة "أوراق بنما".
وتكشف الأوراق أن الأموال الآتية من "البنك الروسي التجاري" في قبرص، تم إقراضها لاحقاً في روسيا بعمليات تمويل ذات فوائد باهظة جداً، تم تحويلها لحساب سري في سويسرا، بالإضافة إلى شراء شركة "ساندلوود كونتيننتال" ليخت فاره بقيمة 6 ملايين دولار، وإرساله إلى ميناء بالقرب من سانت بطرسبيرغ.
ذهبت أموال القرض، بحسب "ذا غارديان"، بشكل مباشر إلى الدائرة المحيطة بالرئيس الروسي. بعض هذه الأموال دُفعت كتمويل منخفض الفائدة، من دون أن يتم التأكد إن كان "أصدقاء بوتين" قاموا بسداد أية مبالغ اقترضوها، أو تم منحهم إياها بطريقة تبدو سليمة من الناحية القانونية.
قبل خمس سنوات تقريباً، قامت شركة "ساندلوود كونتيننتال" بإقراض شركة "أوزن" 11.3 مليون دولار، وهي شركة يتقاسم ملكيتها صديق بوتين، كوفالتشوك مع شركة قبرصية، وتمتلك منتجع "إيغورا سكاي"، الذي أُقيم فيه حفل زفاف ابنة بوتين، كاترينا، في عام 2013، كما أن بوتين يُعتبر أحد أبرز المترددين على المنتجع خلال السنوات القليلة الماضية.
ويُعتقد على نطاق واسع أن ثروات بوتين تدار من خلال أصدقائه المقربين، إذ تورطوا في تحويلات مالية وهمية، ودفع مبالغ مليونية نظير استشارات غامضة، بالإضافة إلى دفع مبالغ ضخمة من المال نظير إلغاء صفقات تبدو وهمية، كان الهدف منها إضفاء صيغة "قانونية" على فساد مالي هائل، وصفقات مشبوهة.
ديفيد كاميرون
تبدو حالة رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، أقل تعقيداً من حالة الرئيس الروسي. فكاميرون، وبكل بساطة، استغل والده من أجل التهرب الضريبي. إذ قام إيان كاميرون، والد رئيس الوزراء البريطاني، والذي توفي عام 2010، بتأسيس شركة استثمار قامت بالتهرب من أية التزامات مالية في المملكة المتحدة. وأسس إيان كاميرون شركة "بليرمور هولدينغز" في بنما عام 1982، وكان يقوم بتمويلها حتى وفاته في 2010. وعلى الرغم من عدم ظهور والد كاميرون في الصورة، كمدير للشركة، حتى 1989، إلا أن الوثائق المسربة، ضمن "أوراق بنما"، تؤكد أنه قام بدور فعّال في تأسيس الشركة في بداية الثمانينيات. وتقدر قيمة تمويلات الشركة بـ20 مليون دولار، لم تكن خاضعة للضرائب والقوانين البريطانية المتعلقة بضريبة الدخل أو ضرائب الشركات.
الرئيس الصيني
وجّهت التحقيقات أصابع الاتهام إلى عائلات الرئيس الصيني، شي جينبينغ، وعدد من كبار المسؤولين، وقالت إنهم استخدموا شركات "أوفشور" لإخفاء ثرواتهم، ومنهم ثمانية من الأعضاء القدامى أو الحاليين للجنة الدائمة واسعة النفوذ للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني. وتُظهر "أوراق بنما" دور دينغ جياغوي، زوج الشقيقة الكبرى للرئيس الصيني، الذي يملك منذ 2009 شركتين في الجزر العذراء البريطانية. هذه القضية أربكت شي جينبينغ الذي يتباهى منذ تسلم منصبه أواخر عام 2012 بعزمه على مكافحة الفساد.
نواز شريف
في باكستان دافعت عائلة رئيس الوزراء، نواز شريف، عن امتلاكها شركات "أوفشور" بعد أن ورد اسمها في "أوراق بنما" التي أظهرت تورط ثلاثة من أبناء نواز شريف الأربعة، وهم مريم التي يُعتقد أنها ستكون خليفته السياسية، وحسن وحسين اللذان تظهر السجلات أنهما تملكا شركة عقارية في لندن من خلال شركات "أوفشور" أدارها مكتب المحاماة. وقال حسين نواز شريف لإذاعة "جيو" الخاصة إن عائلته "لم ترتكب خطأ".
أما في آيسلندا، فقد رفض رئيس الوزراء، سيغموندور ديفيد غونلوغسون، دعوته للاستقالة بعد الكشف عن امتلاكه شركة وسندات مصارف بملايين الدولارات، عندما انهار النظام المالي لبلاده وطلبت المصارف مساعدة لإنقاذها. وكانت رئيسة الحكومة الآيسلندية السابقة، يوهانا سيغوردادوتير، دعت غونلوغسون، إلى الاستقالة على خلفية كشف "أوراق بنما" أنه أسس مع زوجته شركة في الجزر العذراء البريطانية، استغلها لإخفاء ملايين الدولارات.
كذلك رفض رئيس أوكرانيا، بترو بوروشنكو، الاعتراف بأي خطأ بعد الكشف عن امتلاكه شركة لم يبلغ عنها في كشوف الضريبة، فيما دافعت المفوضية الأوروبية عن مفوض المناخ، ميغل أرياس كانات، الذي تملك زوجته ميكايلا شركة "أوفشور" في بنما قالت إنه أفصح عنها.
وكشفت "أوراق بنما" عمليات مالية لأكثر من 214 ألف شركة "أوفشور" في أكثر من 200 دولة ومنطقة حول العالم، وأوردت أسماء 33 شخصاً وشركة على الأقل مدرجين على قائمة وزارة الخارجية الأميركية السوداء بسبب التعامل مع كوريا الشمالية وإيران وحزب الله اللبناني.
وحاول مكتب المحاماة، "موساك فونسيكا"، الذي بات في صلب فضيحة "أوراق بنما"، وهو مكتب محاماة بنمي يعمل بعيداً عن الأضواء وتضم لائحة زبائنه شخصيات بارزة وهو متخصص في قضايا التهرب الضريبي، الدفاعَ عن نفسه، وقال رامون فونسيكا أحد مؤسسي المكتب لوكالة "فرانس برس"، إن التسريبات "جريمة، وجنحة" و"هجوم على بنما". واعتبر أن "بعض الدول لا يعجبها أن لنا ميزة تنافسية تجذب الشركات"، فيما أعلنت حكومة بنما أنها "لا تتساهل" مع أية صفقات مشبوهة، واعدة بـ"التعاون القوي" مع أي تحقيق قانوني.