تعرفون كيف تبدو المناسبات العائلية.. خطيرة مليئة بالفخاخ. لم أفهم في يوم ما الذي يجعل الناس يفرحون بالأعياد. حاولت جاهدة في ذاك اليوم البليد التظاهر بالنوم، لكنّني لم أفلح.
كانت سارة الأجمل بيننا جميعاً، ولم يكن هذا الأمر يفرحها. شعرُها الأسود الطويل وعيناها اللوزيتان البرّاقتان جعلاها الأكثر تميّزاً بين جميع صديقاتها. كنت الأقرب إليها، ولطالما شعرت بما تعانيه.
"يا رايح صوب المنارة فتشلي عن حرش العيد، وبالعالي طير طيارة وقلي وين صار القرميد"... غرقنا في الصمت وفي صوت أحمد قعبور عندما شغّل والدي أغنية "يا رايح صوب بلادي" التي كان يحبها. رفع الصوت عاليا ورحنا ندندن ونغني.
كانت الساعة تُقارب الثانية عشرة ليلاً حين رنّ هاتف المنزل. ارتعبت. خشيت أن يحمل المتصل خبراً سيئاً عن أهلي أو أصدقائي. رفعت السماعة بقلق وكان صوتها مخنوقاً وحزيناً. قالت: "مهنّد رح يتجوز عسمر".
إنها الثامنة صباحاً. هبّت من المطبخ المقابل لبيتنا رائحة قوية مفعمة بالتوابل. لا بد من أنها جميلة، قلت في نفسي. كانت هذه لحظة الحقيقة الصارمة التي وجب أن أتعايش معها كل يوم.
كان صباحاً لطيفاً في بيروت. كل شيء بدا هادئاً. الشمس مشرقة في الخارج، والناس يواصلون يومهم بشكل اعتيادي. الوقت كان ظهراً. لم أنجح، يومها، في ضبط الساعة التي كانت تشير إلى الواحدة إلا أربع دقائق.
أنهت دراستها الجامعيّة وتوظّفت في إحدى الشركات براتب حقّق لها اكتفاءً ذاتياً أزاح عن كاهل أهلها عبئاً ثقيلاً. هي ابنة لأبوين جمعهما رابطٌ سقط في التجربة.