صباح يوم رائق وجدتُ الرقيب مسعد مقبلاً بطوله الفارع ووجهه المُحْمر دومًا، آتيًا ناحيتنا، وبجانبه جندي نحيف يكاد أن يكون هزيلاً. الجندي يحمل مخلته، أي يجيء ليبقى، فالمخلة هي الصرة الجلدية الكبيرة التي تحوي كل ما يحتاج.
قبل أيام كنت مع زميلي الجندي نصّار، نمرّ على حدود قرية تقع خلف كتيبتنا القتالية ونحن على ضفة القناة. كان هناك رجل فقير افترش حصيرة وأشعل وابور غاز، وعليه طاسة زيت يقلي فيها قطع من البطاطس والباذنجان، وبجانبه سلة تحوي أرغفة خبز.
ينهض مفزوعاً صارخاً. زوجته تنير الحجرة وتربّت على كتفه لتهدّئه. كابوس. تُناوله كوب مياه. يعتدل ويشرب نصفه، تأخذ منه الكوب. ينظر حوله. يطمئنّ أنه في حجرته. بجواره صفّ الكتب. ينظر إلى زوجته التي تبتسم له ابتسامة طمأنة وتشجيع فيحكي الكابوس...
ثلاثتنا سكندريون من ذوي اللون الأسمر مثل العسل الأسود وقد أضيف عليه بعض من الطحينة فتخفف اللون قليلاً، أنا من أبوين نوبيين هاجرا للإسكندرية بسبب بناء خزان أسوان وإغراق القرى النوبية، وحمادة من أب نوبي وأم لا. أما برعي وهو ثالث أما برعي فهو ثالثنا.
في عيد من أعياد الأضحى تجمع سبعة منّا في قريتنا التي هُجرت وألقيت في صحراء جرداء... في بيتي الضيق تجمّعنا. كنا جلوساً ودخل آخرنا كَمْبال المشلول مستنداً على كتف ابنه. أول من قام له وأخذه بالأحضان كان الحاج فلان الملظلظ...