طشخصية المتنبي هي تمزّق ظلَّ مستمراً بين سرّ يُخفيه عن طبيعة شخصه، وربما نسبه، وبين طموحه وإرادته من جانب وتربّص وكيد الآخرين من جانب آخر. وهذا البيت تعبيرٌ عن هذا التمزق الذي ظل يعانيه حتى انتهى به وبحياته إلى مقتله.
هذه أبيات يتفق الشُرّاح على أن المتنبّي أراد بها أنه مدح كثيرين كانوا لا يستحقون الثناء، وكان الأجدر أن يجهّز جيشاً لحربهم، أو أنه يتمنّى ذلك من بعد ما مدحهم وتيقّن من عدم استحقاقهم المديح. فهل هذا ما عناه فعلاً؟
يُفتن الشاعر بمعنى ما من معاني الشعر التي ينتجها في قصيدة فيلجأ، إلى استثمار هذا المعنى بإعادة إنتاجه في قصيدة، أو قصائد، تالية. وما يحصل بمثل هذا الاستثمار وإعادة الإنتاج، هو العمل على توليد صور أخرى للمعنى الذي فُتن به.
كان الشاعر العربي يعتني كثيراً بمطلع قصيدته، الدوافع النفسية لهذا الاعتناء تعبّر عن نفسها شعرياً وبما يساعد على أن يظل أثر هذا الاستهلال فاعلاً، وقبل هذا مهيمناً في كسب انتباه ووجدان السامع، قديماً، والقارئ حديثاً.
لا يجد الشرّاح من مهارة إلا في البحث عن (أصول)، المعنى الشعري الجديد حين يكون مدهشاً. يزهد معظم الشارحين بالنقد فيما ينشغل الواحد منهم، جاداً أو هازلاً، بالتحري عن (أصل) البيت الذي يشرحه. فإنّ ما يجمعهم هو اعتناؤهم بالجانب اللغوي.
الحياة العقلية المائزة للشاعر واقترانها بمطامح بعيدة المرام هي التي صنعت تجربة الشاعر في الشعر، وهي ما جعلت من موضوعات كثيرة، كالغزل والتغني بالخمرة والافتتان بسحر الطبيعة، موضوعات ثانوية في اهتمامه الشعري. وكان بهذا يعبّر عن حياة وسلوك جادّين.
سِيرُ النصوص تكون على قدرٍ من القيمة والأثر لا تقلّ فيه عن قيمة النصوص نفسها. وسيرة النص هي النص نفسه إنما بصلته مع العالم والحياة، مؤثّراً ومتأثراً، وليس من نصٍّ حيويّ بلا حياة ولا سيرة.
الشعر، بوظيفته في البلاط، يتحمل مسؤولية الكذب، كانت العرب تقول: الشعر أعذبه الكذوب. وهو معنى يفيد غرضاً نقدياً آخر ولا يمكن أن يعبّر بدقّة عن الحالة التي نحن بصددها، لكنه يقرن الشعر بالكذب، وقد كان المتنبي كاذباً في هذه القصيدة.
هذه أربعة أبيات تأتي في متن قصيدة شديدة اللبس، من حيث موضوعها. الأبيات الأربعة نفسها لا تقل لبساً، بموضوعها، عن عموم جوِّ القصيدة المضطرب. إنها قصيدة أبي الطيب المتنبي (غَيري بأَكثر هذا الناسِ ينخدعُ).
يتخفّف أبو الطيب المتنبي كثيراً من وسائله الشعرية في هذه الأبيات، المعنى النثري هو الغالب فيها، تتقلص مساحة البلاغة، وتتوارى الصورة الشعرية، ويشحب المعنى الشعري، لكن ثقل الحكمة هو ما ينهض بالأبيات.