"جامعة صنعاء".. الحرم في قبضة المليشيات

05 مايو 2016
(في جامعة صنعاء، الصورة: وكالة الأناضول، 2014)
+ الخط -

يعيش اليمن منذ أكثر من عام حالة احتراب واقتتال ألقت بظلالها على كافة القطاعات، وأوجدت واقعاً مختلفاً ومعقّداً، تعرّض فيه اليمنيون إلى الحصار بمختلف أشكاله؛ عسكرياً واجتماعياً وسياسياً.

بطبيعة الحال، طاول هذا الحصار الشباب اليمني، وفرض عليهم رقابةً في مختلف القطاعات، منها القطاع التعليمي، خصوصاً الجامعات، التي تفاقمت فيها ظاهرة الرقابة السياسية على الطلاب والأساتذة، خصوصاً بعد سقوط صنعاء في أيلول/ سبتمبر 2014.

تطورت الرقابة السياسية داخل الجامعات بعد التطورات السياسية والعسكرية التي دخلت بها البلاد. هنا، فرضت جماعة الحوثي سيطرتها على صنعاء بقوة السلاح؛ فسيطرت على مؤسسات الدولة، وذهبت لفرض لون سياسي واحد داخل كافة القطاعات والدوائر؛ ليكون للجامعات نصيب كبير من قبضتهم المفروضة بقوة السلاح، إذ شهدت ملاحقات واعتقالات واسعة لشريحة من الشباب والناشطين والطلاب والأساتذة.

في هذا السياق، وضمن خطة جماعة الحوثي في فرض السيطرة على كل مفاصل الدولة، توجهوا نحو "جامعة صنعاء" التي انطلقت من أبوابها الشرارة الأولى لثورة الشباب الشعبية السلمية عام 2011، وفرضوا سيطرتهم عليها تخوفاً من انطلاق أي حركة معارِضة.

انتشرت جماعة الحوثي في حرم جامعة صنعاء، ونشرت مسلحيها بزي الشرطة والجيش، وقاموا بأعمال التفتيش للطلاب. في تلك الفترة، بدأ في الجامعة خروج تظاهرات حاشدة لطلاب وأساتذة تحت شعار "لا لعسكرة التعليم". حينها، سعى الحوثيون إلى قمع المتظاهرين واعتقال العشرات منهم، وكان بينهم رئيس نقابة هيئة التدريس، محمد الظاهري، وأستاذ العلوم السياسية عبد الله الفقيه، إضافة إلى الأستاذين سيف كليب وعدنان المقطري.

بعد هذه الخطوة، أعلنت هيئة التدريس في "جامعة صنعاء" إضراباً شاملاً احتجاجاً على ما سمته "اختطاف أساتذة الجامعة وطلابها"، وقالت في بيانٍ لها إنها ستنفذ فعاليات احتجاجية تضامنا مع المختطفين حتى يطلق سراحهم.

وفي تصريح سابق، اعتبر أستاذ العلوم السياسية عبد الله الفقيه، أن "إعلان خطف أساتذة الجامعة يمثل انتهاكاً خطيراً للحقوق المدنية ويعكس الطابع الفاشي للحركة الحوثية".

وأشار إلى أن أساتذة الجامعة ليسوا قادة كتائب، أو معسكرات، واختطافهم من أماكن يفترض أن تكون لها حرمة مثل الجامعات، ثم إخفاؤهم قسراً، يعد جريمة، مشدّداً على رفض هذه الممارسات التعسفية.

طوال الأشهر الماضية، ظلت الاعتداءات على أساتذة الجامعات مستمرة، آخرها كان على أستاذ اللغة العربية في كلية الإعلام، رصين الرصين؛ إذ تعرّض إلى الضرب بأعقاب البنادق في منتصف آذار/ مارس الماضي، ووجَّه التُّهمة إلى الحوثيين، مشيراً إلى أنه سبق له أن تلقّى رسائل تهديد من قبلهم على خلفية آرائه السياسية مما حصل ويحصل.

لا تقتصر الملاحقة والاعتقال والاعتداء على الأساتذة فقط، بل إنها تمتدّ إلى الطلّاب أيضاً الذين يشكّلون هدفاً لجماعة "أنصار الله" الحوثية. من هؤلاء الطلاب الذين تعرّضوا إلى الملاحقة، شاب في كلية الإعلام، هو مصطفى الشرعبي. في حديثٍ إلى "جيل العربي الجديد"، يروي ما حصل معه:

"بعد اقتحام الحوثيين لجامعة صنعاء بقوة السلاح، خرجنا في مظاهرات رافضة لوجوده في الحرم الجامعي، الذي يفترض أن يكون بعيداً عن اللعب السياسي. حينها، تعرضنا إلى الضرب، ثم اعتُقل بعض الزملاء، وأودعوا السجون". يضيف: "ظلت جماعة الحوثي تلاحقنا بهدف إسكاتنا، فيما حُرم آخرون من مواصلة التعليم والتعبير عن آرائهم بسلمية".

من جهته، يوضّح الطالب ياسين العقلاني: "كنت ضمن الطلاب الذين خرجوا ضد وجود المليشيات المسلحة داخل الحرم الجامعي، وتعرّضت إلى المضايقات والملاحقة بعد أن أدرجت المليشيا اسمي ضمن قائمة المطلوبين، ما جعلني أدخل الجامعة متخفياً".

يتابع: "شعرت بالخطر أكثر، فاضطررت إلى مغادرة الجامعة، وأوكلت أحد الزملاء بإيقاف قيد الدراسة في الكلية. منذ تلك الفترة، ما زلت محروماً من مواصلة التعليم الجامعي".

طالبٌ آخر يروي لـ"جيل العربي الجديد" قصة اعتقاله. يقول علي الجرادي: "ذات يوم، أقدم ثلاثة مسلحين من جماعة الحوثي على اعتقالي بسبب جلوسي مع زميلتي في ساحة الكلية، مبررين ذلك بقولهم: إن بقاءنا مع بعض في الكلية مخل بالشريعة الإسلامية".

في رأي الجرادي، فإن هذه الممارسات المليشيوية ناتجة عن إدراكهم بأن الجامعة "هي حجر الزاوية في إحداث أي حركة مناهضة لوجودهم، وبالتالي عمدوا إلى تكثيف قوتهم داخل الجامعة وضرب النظام التربوي في الصميم".

في سياق ممارساتها العبثية في إفساد التعليم، أصدرت "اللجنة الثورية" التابعة لجماعة الحوثي قرارات تعيين بالجملة للموالين لهم كرؤساء ونواب لرؤساء في العديد من الجامعات في مختلف المدن، وقد أثارت هذه التعيينات جدلاً واسعاً في الأوساط الأكاديمية، التي اعتبرتها قرارات تفتقد للشرعية والقانونية.  

دلالات
المساهمون