أوباما والفرصة الضائعة .. التضامن الديمقراطي كان يكفينا

22 أكتوبر 2015
التضامن الديمقراطي كان يكفينا (Getty)
+ الخط -
مطلع هذا الأسبوع، وعلى استحياء، تناقلت بعض وسائل الإعلام العالمية خبراً يتعلقُ بوثائق مسربة تابعة لحكومة الولايات المتحدة الأميركية. تتحدثُ الوثائق المسربة عن الخسائر في صفوف المدنيين جراء استخدام جيشها لطائرات من دون طيار في حربها على الإرهاب.


ووفقاً للوثائق تلك، فإن الحملة العسكرية في شمالي شرق أفغانستان، والتي نُفذت بين عامي 2012 و 2013، سقط ضحيتها أكثر من مائتي مدني، بينما لم تقتل سوى 35 شخصاً ممن قصدت استهدافهم.

وقبل 7 أيام من تاريخ الخبر الذي تقدّم، فتح الكونغرس الأميركي تحقيقاً يهدف إلى فهم أسباب فشل أجهزة استخبارات الدولة، تَوَقُّعَ حدثٍ ضخم بحجم التدخل الروسي في سورية، والذي علمت به واشنطن عن طريق الصدفة، وذلك عندما قرع ضابطٌ روسي في العراق باب السفارة الأميركية في العاصمة العراقية قائلاً: "سنضرب أهدافاً إرهابية في العمق السوري بعد ساعة من الآن".

"بعد ساعة من الآن"، إخبارٌ روسي له وقع صفعة فجائية لا يمكنُ التملصُ منها؛ صفعةٌ تُضافُ إلى أخرياتٍ تلقتها الإدارة الأميركية، التي ما زالت متمسكة بمبدأ تقليص الجهد العسكري الخارجي وتوزيع العبء الأمني على الشركاء الإقليميين.

لم يكن أحدٌ ليتوقع من باراك أوباما شن حروبٍ مقدسة على غرار ما فعل سلفه جورج بوش، أو على غرار ما يفعله نظيره الروسي فلاديمير بوتين، لكن أحداً في ذات الوقت، لم يكن ليتخيل أن برغماتية أوباما قد تكون ذات أثر تدميري على المنطقة، تماماً كما كانت عشوائية بوش الابن.

عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر تبنت الإدارة الأميركية مبدأ نشر الديمقراطية في العالم العربي. كان الرأي حينئذ أن الهجوم على برجي التجارة ما كان ليتم لولا حالة الإحباط التي تعيشها الشعوب العربية، حالةٌ تدفع المواطن للجوء إلى العنف خصوصاً مع تكلس الأنظمة الحاكمة وانسداد الأفق السياسي. كانت النظرية التي قام عليها مبدأ نشر الديمقراطية بسيطة؛ الدول الديمقراطية لا تحارب بعضها البعض، ليس لعدم امتلاكها أدوات التدمير بل لأن ما يجمعها أكبر بكثير مما يفرقها.

أراد بوش أن تصبح جميع دول المنطقة كبلده، ديمقراطيات يضمن أنها لن تحاربه، فشن هو حرباً على الجميع، ليحدث ما لم يكن في الحسبان: انتقال العلاقات الدولية من مربع مساعي نشر الديمقراطية إلى مربع حرب "الكل ضد الكل"، وتقلص الأرضية المشتركة التي كان الأميركيون يرغبون بتوسعتها.

لأجل هذا كله، صار لسان حال إدارة أوباما يقول: لقد تعلمنا الدرس، ولا مزيد من الحروب لنشر الديمقراطية، ولا دفع لموجة رابعة من الدمقرطة، لأن الغلبة في قاموسنا هي للمصلحة وليست للقيم.

لعل الإشكالية في المنهج الذي اعتمده بوش لنشر الديمقراطية، كانت في الأدوات المستخدمة التي تنوعت بين العقوبات الاقتصادية والعزل الدبلوماسي والتدخل العسكري، مع إغفال أي أهمية لبناء المؤسسات أو بناء النسيج الاجتماعي للقيم المراد فرضها. بعبارة أخرى، كان منهج نشر الديمقراطية يعتمد على التغيير من الأعلى إلى الأسفل، أو بعبارة أصح من الخارج إلى الداخل.

لقد كانت الحركة الخضراء في إيران واحدة من أولى اختبارات نهج الإدارة الأميركية الجديدة فيما يخص الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط. عبرت حينئذ وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عن تعاطفها ودعمها للحركة، لكنها أكدت أن نتائج الانتخابات هي شأن إيراني داخلي. وبالنظر إلى ماضي التدخلات الأميركية في الشؤون الإيرانية منذ المساهمة في الانقلاب على الحكومة المنتخبة لمحمد مصدق عام 1953 ودعم نظام الشاه، فإن موقف واشنطن كان مرحباً به لدى أوساط المعارضة الإيرانية.

أما الربيع العربي، فكان الأمر بشأنه مختلفاً؛ فدروس الماضي لا تعني هجران المسؤولية، بل على العكس، إن دروس الماضي تفترض اقتناص الفرص لتصحيح الأخطاء. لقد كان الكل يسعى لحريته، بلا رغبة في أي تحكّم مباشر ومحكم من واشنطن، بل بمجرد المساهمة في منع المنطقة من الانزلاق إلى حروب أهلية مدمرة. مرة أخرى، أصاب أوباما عندما تخلى عن مبدأ نشر الديمقراطية، لكنه أخطأ لأنه لم يتبنَّ مبدأ التضامن الديمقراطي.

يصبُّ مبدئا التضامن الديمقراطي ونشر الديمقراطية في منبع واحد، ألاّ وهو توسيع رقعة الأرض المشتركة وعدم ذهاب الدول التي تتخلص من الديكتاتورية لمحاربة بعضها، ولكنها تختلفُ في الأساليب، فبينما يعتمد مبدأ نشر الديمقراطية على العقوبات الاقتصادية والعزلة الدبلوماسية والتدخل العسكري دونما إيلاء أي اهتمام للعنصر البشري، يفترض مبدأ التضامن الديمقراطي وجود حدٍ أدنى من الرغبة عند الشعوب بنيل حريتها والالتزام بالمعايير الديمقراطية، ما يعني أن مهمة الولايات المتحدة لا تعني بالضرورة قولبة المدخلات لتحديد طبيعة المخرجات وإنما إدراة دفة المنطقة والابتعاد بها عن حروب أهلية تشبه تلك التي عانت من ويلاتها أوروبا ما قبل الديمقراطية، أوروبا 1848.

إذا كان أوباما، يحبُّ أن يكونَ كما هو عليه، رئيساً براغماتياً يؤمن بأن القوة الأميركية هي قوة نسبية وليست مطلقة، وأنه لا ينبغي استخدامها إلاّ وقت الضرورة، فإن نيكولا دي برناردو دي ميكيافيلي، ينصحه بغير ذلك، وهو الذي قال للأمير يوماً: "إذا خُيّرت بين محبّة الناس وهيبتهم لك، فاختر الهيبة لأن الناس أعوانك طالما استفادوا منك".

(سورية)
المساهمون