هل يبقى ثمة طلاب في مصر؟

03 ديسمبر 2014
الطلاب في مصر...شعلة الثورة التي لم تنطفئ (Getty)
+ الخط -


تبدو المشاهد من حولنا مشتتة، تجعل الحكيم حيرانَ، والمقال الذي سوف تقرأه الآن مبعثر كالأفكار ومشتت كالمشاعر، وحقيقة، من حقك أن تشعر أنك لا تعرف إلى أين يتجه المقال من كثرة التنقل من فكرة لأخرى - سيدي القارئ اعذرني - هكذا أصبحنا نحن جيل الشباب في عالم قاسٍ لم يرحم براءتنا ورغبتنا في حياة رحبة، سماؤها الحرية وأرضها العدل.

في البداية، يجب أن نتفق أن العلم متجدد، دائم، لم يتوقف في الستينيات أو السبيعينات من القرن الماضي، حين ولد أحد هؤلاء الأساتذة الذين لا يحبون الصداع، ويبلغون أمن الدولة عن الطلاب المعارضين للنظام، ويطبعون في نهاية اليوم مذكرة يحفظها الطلاب، ينجحون في المادة، ولا يراهم مرة أخرى، وربما لن يتذكر أسماء أيًا منهم أبدًا، لا يورثهم من المعرفة شيء؛ فقط مكانه في تروس المنظومة الصدئة.


السؤال هو، هل يبقى ثمة طلاب في مصر؟

إن الوضع الأمني حاليًا في مصر يهدد بقتل الطلاب، والعلم، سويًا. فعلى بوابة الجامعة، تختنق العملية التعليمية بمرتزقة لا هدف واضح من وجودهم، سوى استنزاف ما يزيد على 14 مليون جنيه مصري لو وظفوا في دعم البحث العلمي بالدولة أو تحديث المناهج لربما، ربما، تغير وضع مصر على الخارطة الدولية.

قبيل الفجر، تطوف حملات يومية على بيوت الطلبة لتعتقل وتذل وتهين من تجده، حتى وصل عدد من اعتقل من الطلاب إلى ما يزيد على 400 طالب منذ بداية الدراسة؛ فجرًا، غير هؤلاء المعتقلين فجراً أو من على البوابات أو من داخل قاعات الدراسة. قبيل الفجر أو بعده، ينالون ما ينالون بالأقسام من تعذيب، ثم يودعون السجون حيث يصرح وزير التعليم العالي بكل برود: "مفيش طالب محبوس هيمتحن".

على صعيد آخر، يماثل الصعيد الأول في بؤسه، تموج المناهج الدراسية بعبارات التمجيد لنظام قتل، وما زال يقتل في الآلاف ويعتقل عشرات الآلاف الآخرين. هذا النظام الذي أنقذ مصر من الإرهاب الذي لم يكن موجودًا وخلقه الآن ربما، أو أبرزه. ولكن، الذي يعنينا؛ هناك مناهج دراسية تمجد في نظام قاتل ترسخ لحكم لم يستشر فيه الطلاب ولا أيا من أهلهم. التاريخ يكتبه المنتصر، هذه هي القاعدة؛ ولكن، هل تقوم دولة على علمٍ مضلل؟

في مصر، تخرج الطالبات في الأقاليم بملابس الدراسة للتظاهر، من مدارسهن لمنازلهن هاتفات ضد حكم العسكر. يكبرن فيدخلن الجامعات إلى جانب هؤلاء الفتية، فتقوم تظاهرات تهتف ضد حكم العسكر، تنادي "دي جامعة مش معسكر" ولكن، هل يصغي أحد، أم الصوت ليس عالياً بما يكفي. تختطف بعضهن، تذل، تسحل ولا ندري ماذا يحدث لها أكثر، ولكنها تصبح جزءًا من وسم به كلمة "أميرة" "حرة" أو "الحرية"، يبقى وسم، وتبقى هي - أم المستقبل - أسيرة.


على شريط الأخبار اليومي، فصل 59 طالبا بجامعة كذا، فصل 198 طالبا وطالبة من جامعة كذا، فصل ##/ ### طالب بجامعة كذا وكذا. يوميًا، النظام يحرم الطلاب مستقبلهم؛ يحرم مصر مستقبلها.

إلى هذا الحد تبدو المشاهد مشتتة، والمقال مبعثر، وحقيقة، من حقك أن تشعر أنك لا تعرف إلى أين يتجه المقال، وإن كنت تريد الاستمرار في القراءة أم لا. من حقك تمامًا.

هذا الإحساس الذي تشعر به الآن هو ذات الإحساس الذي يداهم طلاب مصر بشكل يومي، هؤلاء الذين يحلمون بمستقبل أفضل، وبعلم ينفع؛ مشتتون، لا يدرون إلى أين المصير.

في عام واحد، بلغ عدد الشهداء من الطلاب "218" شهيدًا، وتعدى عدد المعتقلين من الطلاب 1400 معتقل، وذك حتى أكتوبر/تشرين الأول 2014.

في عام واحد، عوضًا أن يقاوم النظام "الإرهاب المحتمل" الذي يدعيه، بتنوير العقول ودعم العلم؛ حارب الطلاب، أحاط الجامعة بأسوار عالية وسياج من أسلاك عسكرية شائكة، وكأنها سجن. على البوابات وضع من يفتش كل طالب كل صباح ذاتيًا، يرميه خارجًا إن اشتبه في رواية يقرأها أو دبوس يعلقه على حقيبة ظهره.

على بوابات الجامعة، تتراص جموع الطلبة في انتظار تفتيشها ذاتيًا للدخول إلى محاضرة ذلك الأستاذ الذي ولد يوم صدرت أحدث الطبعات من المناهج التي تدرس في الجامعة، لا يحب الصداع، يسلم الطلاب المعارضين لأمن الدولة، ويطبع في نهاية اليوم مذكرة للامتحان، ليورث الطلاب مكانه في منظومة التروس الصدئة.

على بوابات السجن، تقف أمهات الطلبة، الذي سلمهم الأستاذ الذي يوشك أن يترك مكانه في منظومة التروس الصدئة؛ إلى أمن الدولة، في انتظار دورهن في التفتيش الذاتي، ليقابلن أبناءهن لدقائق معدودة، يضممنهم إلى صدورهن، يبكين، يبكون؛ يعلن السجان انتهاء مدة الزيارة.

ومن بين المشاهد المتعاقبة تبزغ الأسئلة رغمًا عنا.

إذا توقف الطلاب عن حراكهم في سبيل الحرية، هل يتوقف التهديد المستمر لهم من قبل النظام؟ هل يأمن الطلاب على المبيت في بيوتهم والذهاب إلى جامعاتهم؟

إذا توقف الطلاب عن حراكهم في سبيل الحرية، وشربوا المناهج التي تكرس للقتل والاعتقال التعسفي وتشجعه، وآمنوا التهديد المستمر لهم من قبل النظام؛ هل يحق لمصر أن تحلم يومًا بالحرية؟

إذا فقدت مصر يومًا حلمها بالحرية وكبل العلم بالحياة العسكرية، ووأدت مصر مستقبلها بلا رادع، هل يبقى ثمة طلاب، في مصر؟

المساهمون