فنّ صناعة الكتب في الصين

18 نوفمبر 2014
+ الخط -
أتذكّر المرّة الأولى التي وطأتْ فيها قدماي مكتبةً في الصين، أصابني الذهول؛ لأنني وجدتُ نفسي أقف داخل مركز تجاري مكوّن من خمسة أو ستة طوابق، مخصص لبيع الكتب فقط. أخذتُ عربة التسوّق وبدأتُ رحلتي التي استغرقت ساعات طويلة، من دون أن أشعر بمرور الوقت.

كان عدد البشر مهولًا، هناك من يبحث عن الكتب التي يرغب في شرائها، وهناك من يجلس على الأرض، بعد أن وجد كتابًا ممتعًا، فانغمس في قراءته. 

من أغرب ما رأيتُ هناك، عددٌ كبيرٌ من الناس من مختلفِ الفئات العمرية، في شتّى الطوابق الموجودة في المكتبة، يجلسون على الأرض للقراءة، علمتُ بعد ذلك أن القراءة في داخل المكتبة مسموحة ومجانًا كما في المكتبة العامّة! 

عددُ الكتب الذي يُنشر شهريًا في الصين ضخم جدًا، لا يقتصر على مجالين أو ثلاثة فحسب، بل يطولُ مجالات وتخصصات تبدو كأن لا حصر لها ولا عددا؛ من أوّل كتب الأطفال، مرورًا بالروايات إلى الكتب العلمية والمترجمة. 

والمكتبات في الصين مقسّمة إلى طوابق. كلّ طابق يحوي كتبًا في مجالٍ معيّن؛ الكتب الأدبية في طابق، الكتب العلمية في طابق ثانٍ، وكتب الأطفال في طابق آخر وهكذا. وكلّ طابق مزوّد بجهاز كمبيوتر يساعدك في البحث عن الكتاب الذي تريده، بل ويرشدك إلى مكانه بشكلٍ محدّد، فضلًا عن وجود العاملين في المكتبة الذين يحفظون أماكن الكتب عن ظهر قلب. 

تتسمّ الكتب في الصين بأسعارها المناسبة، وأغلفتها الجذابة، وجودة الطباعة والورق. كما أن عدد دور النشر غفير، الأمرُ الذي يجعل مجال الكتابة مفتوحًا أمام الجميع، خاصّةً الشباب، فعدد الكتّاب الجدد الذين يظهرون على الساحة في تزايدٍ مستمر. 

وفقًا للإحصائية التي نُشرت في صحيفة "أخبار نشر الصين": وصل عدد دور النشر في الصين في نهاية عام 2013 إلى 582 دار نشر. ووصل مُجمل عددِ الكتب التي نُشرت إلى 4.83 بليون نسخة، وهو ما يعادل استخدام 1.039 مليون طنّ من الورق، كما أنّ عدد الكتب المنشورة طالتْ أكثر من ثلاثين مجالا وتخصصا مختلفين. 

أدركتِ الصين مع الموجة التي أحدثتها الثورة العلمية والتقدّم في عالم التكنولوجيا، الدورَ المهمّ الذي يجب أن تؤدّيه في صناعة الكتب؛ فأنشأت من أجل مواكبة هذا التقدّم، العديد من المواقع التي تحوي كتبًا إلكترونية، يمكن للقارىء تحميلها على هاتفه الجوال مجانًا أو بدفع رسوم رمزية. كما أنها يسّرت عملية شراء الكتب عبر الإنترنت.

إذ إن أغلب المكتبات الكبرى تمتلك مواقع خاصّة بها على شبكة الإنترنت، تتضمن كلّ الكتب الموجودة فيها، كي تجذب القارىء وتيّسر له عملية الشراء، بحيث يتصفح القارىء الموقع، ويختار ما يشاء من الكتب، فتصله حيثما كان، وبسعرٍ أقل من الموجود في المكتبة. 

وتهتم الحكومة الصينية كثيرًا بالأطفال، ليس لأنهم باتوا مدللين بعد تطبيق الصين لسياسة الطفل الواحد؛ ولكن لأنّها تدرك أن الأطفال هم قادة المستقبل. ففي إحدى المكتبات ثمّة طابقٌ كاملٌ مخصصٌ للأطفال، يضمّ الكتب والألعاب التي تجذبهم. 

كما أن دور النشر تحرص على نشر المعرفة بجميع مجالاتها لدى الأطفال بشكلٍ مبسّط وجذاب، فتصدر طبعات خاصّة مبّسطة وممتعة لهم، لئلا يملّوا من قراءتها. 

أصبحت الصين واحدة من الدول الرائدة في صناعة الكتب ونشرها، وبقطع النظر عن عددِ الكتبِ المهولِ الذي يصدرسنويًا، فقد عدّتِ الصين الكتبَ صناعةً قائمةً بذاتها لا تقلّ أهميةً عن الصناعات الأخرى التي تتفوق فيها؛ لأنها تدرك أنها الصناعة الأنفع بالنسبة لمجتمعها ومستقبلها.
المساهمون