الهوية الفلسطينية.. تحديات راهنة

20 ديسمبر 2015
(محمود حماد، زيت على قماش 120 × 100 سم)
+ الخط -

حملت الهبّة الشعبية الحالية أكثر من مؤشر يتعلق بالواقع الحالي للحركة الوطنية الفلسطينية وبآفاقها المستقبلية، يظل في مقدمها مؤشر مهم إلى إمكان قيام وحدة نضالية بين الفلسطينيين داخل مناطق 1948 وفي الضفة الغربية، قد تكون فاتحة لالتحام كفاح وطني لكل فئات الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية.

وحيال ذلك لوحظ أن الدولة والمؤسسات الأمنية الإسرائيلية "تجنّدت" على وجه السرعة لإشهار تعاملها الحاد التقليديّ مع الأحزاب والحركات السياسية الفلسطينية الوطنية، التي "تتهمها" بـ"التطرف"، وتحديدًا التجمع الوطني الديمقراطي والحركة الإسلامية.

وكان هذا التعامل الحاد قد وصل في السابق إلى ذروته في ملاحقة زعيم التجمع، عزمي بشارة، وانتقل إلى ذروة أخرى خلال الهبّة الحالية في ملاحقة زعيم الحركة الإسلامية، الشيخ رائد صلاح، وصولًا إلى قرار إعلان "الحركة الإسلامية - الجناح الشمالي" غير قانونية. ويعني هذا القرار أن أي شخص ينتمي إلى هذه الحركة من تاريخ اتخاذ القرار (يوم 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015) فصاعدًا أو يقدّم لها خدمات، يعتبر مخالفًا للقانون وقد يتعرّض لعقوبة السجن.

وتلا ذلك إطلاق وزير الخارجية الإسرائيلية السابق، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان، يوم 16 كانون الأول/ ديسمبر 2015 حملة في صفحته الخاصة على موقع "فيسبوك"، هدفها إبعاد النائب حنين الزعبي وحزب التجمع من الكنيست مرة واحدة وأخيرة.

وبحسب ما نُشر، تشمل الحملة شريطًا مصوّرًا يدعو فيه ليبرمان الجمهور اليهودي العريض إلى ممارسة ضغوط على أعضاء الكنيست من أحزاب الحكومة، لدعم اقتراح قانون يهدف إلى إبعاد الزعبي وحزب التجمع من الكنيست. ويشير في الشريط إلى أن لجنة الانتخابات المركزية كانت قد شطبت الزعبي وقائمة التجمع في السابق، إلا أن المحكمة الإسرائيلية العليا ألغت قرار اللجنة. ويشدّد على أن هذا الشطب كان بموجب القانون الذي ينص على أن "كل من يدعم الإرهاب والكفاح المسلح ضد دولة (إسرائيل) أو ينفي وجودها كدولة يهودية، لا يستطيع أن يكون في برلمانها".

هنا لا بُدّ من استعادة أنه تترسّخ في الأعوام الأخيرة أكثر فأكثر المقاربة الإسرائيلية، التي تتعامل مع الفلسطينيين باعتبارهم "قضية أمنية استراتيجية" و"مشكلة ديموغرافية تهدّد الطابع اليهودي للدولة"، التي كانت لها جذور قوية في كل الممارسات السياسية السابقة.

وأشير في مناسبات كثيرة إلى أن اتفاقات أوسلو وما تفرع عنها خلت تمامًا من أي ذكر أو تلميح بشأن ما سيحدث مع فلسطينيي 48، لكن منذ سنوات عدة أخذ يتشكل شبه إجماع إسرائيلي على ضرورة "تصحيح هذا الأمر"، بحجة أن أغلبية الفلسطينيين في "إسرائيل" منحازة إلى جانب شعبها ضد دولتها"، وأثبتت ذلك من ضمن أشياء أخرى وقائع هبّة تشرين الأول/ أكتوبر 2000 التي اندلعت مع انفجار الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

وفي سياق بحث إسرائيلي صدر في هذا الموضوع بعنوان "الفلسطينيون في إسرائيل: كفاح الأقلية العربية في الدولة اليهودية"، رأى المستشرق الإسرائيلي، دان شيقتان، وهو مقرّب من أصحاب القرار في المؤسستين السياسية والأمنية، أن فلسطينيي 48 "غير مستعدين لقبول حل لقضيتهم أقل من الحل الذي يفضي إلى انتحار الدولة القومية اليهودية"، مشيرًا إلى أن استراتيجيتهم لفرض هذا الحل كامنة في "مهاجمة المؤسسة اليهودية من الداخل، بواسطة الأدوات الديموقراطية للدولة والمجتمع، وباسم الديموقراطية والتعددية وحقوق الإنسان".

ويؤكد أيضًا أن هؤلاء الفلسطينيين يشكلون "حالة خاصة متميزة، ذلك بأن الحديث لا يدور حول أقلية وأكثرية، بل حول أقلية ذات عقلية أكثرية، في مقابل أكثرية يهودية ذات عقلية أقلية".

كما يشدّد على أن هذا "التصوّر" لدى فلسطينيي 48 غير منحصر في القدامى فقط، من أولئك الذين عايشوا النكبة أو سمعوا عنها من آبائهم، بل يشملهم جميعًا، "ومهما يكن الكلام عن جيل أكثر شبابًا وثقافة فإنه قد رُبي تربية أعمق على تصوّر فحواه أن الكفاح ضد الدولة القومية اليهودية هو جزء من هويته. وقد بلغنا مرحلة أصبح فيها جزء كبير من الجمهور الفلسطيني مستبطنًا هذه الهوية".

ويعتقد باحثون آخرون أنه برغم الانقسام الذي أصاب صفوف الحركة الإسلامية، وخصوصًا على أرضية العمل والنشاط في إطار مؤسسات السلطة الإسرائيلية والتعاون معها، فقد نجح جناحاها الشمالي والجنوبي في إعادة الكثيرين إلى الإسلام، وفي تحويل العقيدة الإسلامية إلى مركز هوية بالنسبة لفلسطينيي 48.

في التحصيل العام، فإن هذه الأبحاث كلها تجاهر علنًا بتخوفها من هويتين تكتسبان في الآونة الأخيرة وزنًا مضاعفًا لدى الفلسطينيين في الداخل، في مقابل "الإسرائيلية" باعتبارها هوية إشكالية وإقصائية من ناحيتهم:

الأولى، الهوية العربية التي تشكل تضمينًا وتوسيعًا للهوية الفلسطينية، وتأخذ فلسطينيي 48 إلى فضاءات أبعد. ويُشار في شأن الهوية العربية إلى أن الشعور بالتاريخ والثقافة واللغة الذي يوحد الفلسطينيين في إسرائيل مع شعبهم العربي من شأنه ليس فقط أن يلبي متطلبات هويتهم، بل أن يقيم أيضاً سورًا منيعًا يقف من ورائهم ويشكل ضمانة لوجودهم.

الثانية، الهوية الإسلامية، التي ربما تُعتبر الهوية ذات طاقة الانتشار والرواج الأكبر، لكونها تقفز عن القيود التقليدية المتصلة بالطبقات والحمائل، وأساسًا لكونها تكرّس ضمن عقيدة راسخة مجالات حياة وقضايا وشؤون كانت تعتبر لغاية الفترة الأخيرة حكرًا على المثقفين والسياسيين.
بالتالي فإن في طليعة التحديات الماثلة أمام ساحة 1948 الحفاظ على الوحدة النضالية مع سائر ساحات الحركة الوطنية الفلسطينية، وحماية الهويتين العربية والإسلامية من عسف دولة الاحتلال.


 (كاتب وباحث فلسطيني/ عكّا)


اقرأ أيضاً: فلسطينيو الـ 48 من التهميش إلى الرومانسية الوطنية

دلالات
المساهمون