لا معوَّقين في أميركا من دون حقوق

24 نوفمبر 2015
من حقهم عدم التمييز ضدهم بالقانون (Getty)
+ الخط -
أقرّت الولايات المتحدة في عام 1975 قانوناً فيدرالياً يقضي بفرض التعليم الإلزامي في المدارس الأميركية على ذوي الإعاقة، ويعطيهم في الوقت ذاته الحق بالتعليم. فقبل هذا التاريخ، وبحسب الإحصائيات الرسمية كان 20 في المائة فقط من هؤلاء الأطفال يحصلون على تعليم ما. كما أن هؤلاء، الذين يتمكنون من الحصول على تعليم، لا ينتهون بالضرورة بمستوى تعليمي جيد يمكنهم من إتقان المهارات الأساسية في اللغة والرياضيات. 

علاوة على ذلك، كانت الكثير من المدارس العادية ترفض أن يلتحق الطلاب ذوو الاحتياجات الخاصة بها، ليصل عدد الطلاب في عام 1975 الذين تم رفضهم إلى حوالى مليون طالب. وبموجب القانون، الذي تم إقراره، فإن المدارس الحكومية، أو تلك التي تتلقى دعماً مادياً من الجهات الرسمية في الدولة، مجبرة على استقبال الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة ضمن صفوفها ولا يمكنها رفضهم.

قوانين إضافية
وسنّت الولايات المتحدة في هذا السياق قوانين إضافية، لعل أهمها وأبرزها كان في عام 1990، تحت اسم ” American with Disabilities Act of 1990“ والذي يضمن للأشخاص الذين يعانون من إعاقة ما، حقهم بعدم التمييز ضدهم بسبب تلك الإعاقة ويعد جزءا من الحقوق المدنية. وبحسب "المركز الأميركي للمسح الاجتماعي" فإن أكثر من خمسة بالمائة من الطلاب بعمر الالتحاق بالمدارس (أي بين الأعمار 5 -17) هم طلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة. وبحسب وزارة التعليم الأميركية (الفيدرالية) فإن المدارس الأميركية والمراكز العامة تقدم الخدمات لأكثر من 6.5 ملايين طفل وشاب من ذوي الاحتياجات الخاصة في الولايات المتحدة حالياً.

ويعرف القانون الأميركي في هذا الصدد "الطفل ذا الاحتياجات الخاصة" بذلك الطفل الذي يكون لديه:
"تخلّف ذهني أو في السمع أو النطق أو البصر (يتضمن ذلك العمى) أو اضطرابات عاطفيّة شديدة، التوحّد، إصابة في الدماغ ومشاكل صحيّة أخرى بحاجة إلى تعليم خاص".

اقرأ أيضا: تعرف على خطوات التعليم المنزلي للمعوَّقين

تفهم وتحدٍّ
تقول لاريسا بدر لـ "العربي الجديد"، وهي شابة أميركية من أصول عربية من مدينة نيويورك لها أخوان أصغر منها وواحد منهما يعاني من مرض "متلازمة داون"، إن اكتشاف والديها مرض أخيها الصغير وعدم مقدرتهما في البداية على التعامل مع الوضع بصورة صحية ترك أثره على العائلة بشكل سلبي، حيث أهمل الأهل دون قصد بقية الأطفال في محاولة لتلبية حاجات أخيها ذي الاحتياجات الخاصة.

وترى أن هذا طبيعي ولكن "عندما كنت صغيرة واجهتني صعوبة في فهم انشغال والدَيَّ عني وعن أخي الآخر ولكن مع الوقت بدأت أستوعب الموضوع أكثر. لكن المشكلة كانت أحياناً عدم تقبل محيطنا الاجتماعي لأخي وكأن لديه مرضاً مُعدياً.

كان علينا جميعاً أن نتعلم ألا نخجل وأن نتعلم أن نعطيه الحب ونأخذ منه الحب والقوة، وتضيف لاريسا أن عائلتها كانت محظوظة بحيث تمكن أخوها من الذهاب حتى عمر تسع سنوات إلى مدرسة عادية، ومن ثم انتقل إلى مدرسة خاصة بقرار من الأهل، حيث شعروا أن التعليم مع الأطفال العاديين مهم، ولكن لا يوجد مدرسون يقدمون الرعاية الملائمة التي رغب فيها أهلها.

كما تشير إلى أن كون أهلها من ذوي التحصيل العلمي الأكاديمي ساعد في حصولهم على المساعدات الملائمة ومعرفة حقوقهم والتحدث إلى المسؤولين وأخذ الاستشارة من الجهات المختصّة، الأمر الذي يمكن أن يكون أحياناً عبئاً كبيراً وخاصة على الأهل إذا كانوا مهاجرين ولا يتقنون اللغة الإنجليزية بشكل جيد. وتشير كذلك إلى أن العائلة قررت نقل أخيها إلى مدارس خاصة لاحقاً، حيث تمكن من التركيز على تطوير مهاراته وقدراته التعليمية بما يتناسب مع وضعه بشكل مكثف ويؤهله للعمل والاعتماد على النفس بشكل أفضل. إلا أن هذه المدارس، على الرغم من بعض الدعم الذي تلقته، كثيرا ما تكون تكلفتها عالية جدا مما يترك عبئاً مادياً كبيراً على العائلة ويجعلها متاحة في الغالب للعائلات الميسورة.

إشكاليات الدمج
أما المدرّسة، كيم وايتمان، فتقول لـ"العربي الجديد"، عن تدريسها في مدرسة حكومية فيها نحو 30 في المائة من الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة المختلفة، إن الاحتياجات الخاصة تقتصر أحياناً على الأمور الجسدية ومشاكل في النظر أو السمع. وفي أحيان أخرى على الأمور النفسية والعقلية من عسر في القراءة والكتابة أو "اختلال عاطفي".

اقرأ أيضا:ذوو الإعاقة.. متى يكون الدمج في المدارس ناجحا؟

وترى كيم أن دمج الأطفال مع مراعاة الاحتياجات الخاصة وترتيب الصفوف بالشكل الملائم وإضافة مدرسين ومساعدي مدرسين في تلك الصفوف، لهو أمر ضروري ومهم ليس فقط للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بل لهؤلاء "العاديين"، لأن هذا يربي الطلاب على الحساسية للتنوع والتعامل مع الأناس المختلفين عنا، ليس فقط في الشكل والدين والخلفية الثقافية، ولكن أيضا في الاحتياجات.

وتشير على الرغم من ذلك إلى إشكاليات أساسية من بينها "أن كل هذا يفترض وجود وعي كاف عند المدرسيين أنفسهم، وعدم اكتظاظ الصفوف وتعيين مدرسين مختصين بالتعامل مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وتدريب المدرسين المتخصصين في تعليم المواد العادية على اكتشاف ومراعاة احتياجاتهم.

كما يتطلب ويفترض تعاوناً من أهل الطالب وهذه مشكلة لا يمكن التغاضي عنها. وتشرح مضيفة "على سبيل المثال أحد طلابي تم تشخيصه على أن لديه (خللا عاطفيا). لقد قمنا بالأمور اللازمة من تخصيص مساعدة له في الصف وما إلى ذلك إلا أن هذا الطفل على الرغم من ذكائه الشديد لكن علاماته المدرسية تتفاوت من فترة لأخرى بشكل كبير، بحسب وضعه النفسي. ولم يتعلم السيطرة على عواطفه ووضعه بشكل لا يجعلها تؤثر عليه لهذه الدرجة. ونحتاج هنا إلى تعاون من والديه ولكنهما غير متعاونين بتاتاً، فهو مهمل في البيت حتى أنهما لا يأتيان أو يردان على اتصالات المدرسة".

وتشير إلى أن إحدى المشاكل، في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، هي الإخفاق أحياناً في إيجاد التعليم الفردي الملائم، وطبعا هذا يتطلب موارد مادية وتأهيلاً أكبر للمدرسين.

صعوبة الامتحانات
ومن جهة أخرى، ينتقد عدة مختصين امتحانات الدولة المخصصة لتقييم قدرات الطلاب في مواد، كالرياضيات والإنجليزية، في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ويرون أنها تشكل عبئا وضغطا على جميع الطلاب، سواء كانوا من ذوي الاحتياجات الخاصة أم لا. وأنها تضع الطلاب والمدارس عامة تحت ضغط شديد مما يضطرهم إلى العمل والتركيز على الحصول على نتائج جيدة بالامتحانات والانشغال عن تطوير قدرات أخرى. كما يرون أنها تشكل مصدرا للإحباط للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يحصل بالمعدل وبحسب الإحصاءات الرسمية نحو 5 إلى 9 في المائة فقط منهم على علامات بالمعدل المطلوب.

في الولايات المتحدة عدد كبير من المدارس النموذجية، التي تأخذ على عاتقها طرق تعليم وتأهيل بديلة للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم وتدمجهم معاً. وعلى الرغم من النجاحات التي تحققت على هذا المستوى، يبقى المعيار الحقيقي هو مدى قدرة المدارس الحكومية على تقديم وتطبيق ما ينص عليه القانون من حقوق أساسية للجميع في هذا المجال.

اقرأ أيضا:كيف تتعامل مع ابنك المعوّق في خطوات؟
المساهمون