الميزانية الرمضانية للجزائريين تتضاعف ثلاث مرات

20 يونيو 2016
ارتفاع في أسعار الخضر خلال شهر رمضان (فرانس برس)
+ الخط -
طلاء البيت وتغيير الديكور، شراء أوان جديدة متنوعة للطبخ وكميات معتبرة من الأغذية القابلة للتخزين، هي إحدى العادات القديمة التي تحرص العائلات الجزائرية على الالتزام بها قبل شهر رمضان، والتي تكلف عادة ميزانية معتبرة لم تعد الملايين من العائلات محدودة الدخل قادرة على تحمل مصاريفها في ظل غلاء المعيشة. الأمر الذي تتحسر عليه الأم خديجة التي تعيش مع ابنين وكنتين، وتقول لـ "العربي الجديد": "كنا نحتفل برمضان بدهان البيت وشراء كل شيء جديد، اليوم العائلة لم تعد قادرة حتى على تغطية مصاريف الطعام".
وفي الوقت الذي قررت فيه كثير منهن التخلي عن دهن البيت نهائياً وشراء الأواني المكلفة، والاكتفاء بدلاً من ذلك بتنظيفها وتلميعها، فضلت عائلات أخرى الحفاظ على جزء من هذه التقاليد ودهن المطبخ ككل سنة، وشراء بعض الأواني البسيطة والرمزية وأن يقتصر التخزين على بعض المواد الأساسية. في المقابل تحرص عائلات أخرى على التمسك بهذه التقاليد كاملة وتقوم من أجل ذلك بالادخار، وإذا لزم الأمر اقتراض المال من الآخرين. وهو حال عائلة السيدة زينب التي تقول لـ "العربي الجديد": "هذه عادات أجدادنا ونخصص لها ميزانية خاصة، إنها مقدسة وتعطي للشهر نكهة خاصة بحلة جديدة كل سنة".
والتخزين من العادات أيضاً، حيث تلجأ غالبية الأسر الجزائرية إلى شراء المؤونة من المواد الأساسية وادخارها من أجل شهر رمضان، كبعض العجائن، الدقيق، الزيوت، اللحوم، ومختلف أنواع المصبرات ومستلزمات تحضير الحلويات التقليدية والمكسرات. وقد اكتسبت الجزائريات هذه الثقافة من الجدات اللواتي كن يقمن بهذا نتيجة نقص الإنتاج، ثم أصبحن في وقت لاحق مع وجود وفرة المنتج يعتمدن على التخزين، خوفاً من ارتفاع الأسعار مع بداية رمضان خاصة مع سياسة التقشف التي تنتهجها البلاد وتخفيض فاتورة الاستيراد. وتقول السيدة نورة لـ "العربي الجديد": "كانت أمي تقول لا أحد يعرف ما تخفيه السوق، اكتسبت منها هذا التقليد، وأحرص أن نشتري كل الأغراض الضرورية قبل رمضان من باب الاحتياط".

الناطق الرسمي للاتحاد العام للتجار والحرفيين، الحاج طاهر بولنوار، ينتقد في حديثه لـ "العربي الجديد"، ثقافة التخزين هذه، موضحاً: "الإقبال الكبير من المواطنين على شراء المواد الغذائية قبل رمضان بأيام أو خلال الأيام الأولى منه يتسبب في رفع الأسعار على الرغم من وجود وفرة المنتج". وأكد المتحدث ذاته، أن الأسعار ستكون مناسبة جداً ولا تستدعي التخزين، خلال السنة الحالية على خلاف السنة الماضية، خاصة في ما يتعلق بالخضر والفواكه واسعة الاستهلاك. وهو ما أكده قبل ذلك وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، سيد أحمد فروخي، عن متابعة مصالحه للفلاحين والمربين، من أجل معالجة أي مشاكل قد تؤثر على الإنتاج، وضمان وفرة المنتوجات واستقرار الأسعار.

وكان غلاء الأسعار الذي عرفته الأسواق الجزائرية، خلال شهر رمضان لسنوات متتالية، قد دفع بالحكومة السنة الماضية إلى اعتماد ما يعرف بـ "أسواق الرحمة" والقضاء على العديد من الأسواق الموازية من أجل الحفاظ على الاستقرار في الأسعار وحماية المواطنين الذين أصبحوا يخاطرون بحياتهم ويلجؤون إلى الأسواق الفوضوية من أجل أسعار أقل تتماشى وميزانياتهم المحدودة، على الرغم من نوعية المنتوجات التي توصف بالرديئة. وفي هذا السياق يقول بولنوار: "اتحاد التجار متخوف من عودة الأسواق الموازية في ظل نقص الأسواق الجوارية وأسواق الرحمة، ونحذر المواطنين من الوقوع ضحية للمنتجات الفاسدة والالتزام بشراء الكميات الكافية بدل التبذير الذي يصل إلى 70 في المائة من الأغذية".
وتؤكد الإحصائيات التي قدمها الاتحاد العام للتجار والحرفيين أن نسبة الاستهلاك لدى الجزائريين ترتفع خلال شهر رمضان بنسبة 20 في المائة مقارنة بباقي السنة. أي تتحول قائمة الاحتياجات المضبوطة خلال باقي الأشهر، إلى قائمة مفتوحة وتتحول كثير من الحاجات الثانوية إلى حاجات أساسية. وكان اتحاد التجار قد أكد في تقرير سابق، أن الاستهلاك في شهر رمضان الماضي، تجاوز 25 ألف طن من اللّحوم، وأكثر من 30 مليون قنطار من الخضر والفواكه خلال عشرة أيام فقط، بينما وصلت مصاريف المواد الغذائية المبذرة إلى 6 مليارات دينار. من جهته أحصى الاتّحاد الوطني للخبازين رمي 60 مليون رغيف خبز في القمامة، داعياً إلى خفض الإنتاج إلى النصف. جمعية حماية المستهلك، كشفت في تقريرها أن قيمة المصاريف في شهر رمضان تتضاعف عند العائلات الجزائرية ثلاث مرات.
تبقى ميزانية الأغلبية الساحقة من العائلات الجزائرية غير قادرة على تغطية نفقات ومصاريف شهر رمضان بين تحضيرات مسبقة تتعلق بالبيت وبين مواد غذائية واستهلاكية، وهو الأمر الذي يرجعه الناشطون في مجال ترشيد الاستهلاك والإنفاق إلى عدم تحكم الجزائريين في المصاريف والتقيد بالحاجيات الضرورية بينما تعتبره العائلات من الأمور الأساسية والعادات حتى لو لزم الأمر الاستدانة أو العمل أوقات الفراغ، وهي حالة توفيق، أب لأربعة أطفال ويقول لـ"العربي الجديد": "في رمضان أعمل مساءً في محل لبيع الحلويات لتوفير المصروف، لأن نفقات رمضان كثيرة كما تعلمون".
المساهمون