تعويذة الإهمال:غياب الاستراتيجيات يفقد الشرق سحره السياحي

14 مارس 2016
غياب السياح عن المنتجعات السياحية العربية(Getty)
+ الخط -
مدريد، باريس، أثينا، برشلونة... وغيرها من العواصم تتصدّر لائحة الوجهات السياحيّة الأكثر جذباً في العالم. مدن تجاوزت البعد السياسيّ والديمغرافي للعاصمة لتتحوّل إلى أقطاب سياحية كبرى مستغلّة مميّزات العواصم من حيث تطور البنى التحتيّة وحجم الأسواق والمواقع الاستراتيجية لتتحوّل إلى صناعة حقيقيّة توفّر مليارات الدولارات لميزانيّات تلك الدول.
أمّا مناطق جنوب البحر الأبيض المتوسّط، الذي استقطب لآلاف السنين مختلف الحضارات والتجّار والعلماء والغزاة، وظلّ دائماً مفتوحاً على الجميع، تحوّل اليوم إلى مكان منفّر للسيّاح.
يحمّل الكثيرون الثورات العربيّة مسؤوليّة تدهور النشاط السياحيّ في دول الربيع العربيّ. وإن كانت التغييرات السياسيّة والمواجهات العنيفة في عدد من الدول العربية قد ساهمت في تراجع هذا القطاع، إلا أنّ وضع السياحة العربيّة بدأ مرحلة التدهور قبل ذلك بسنوات عديدة. وتشير العديد من الدراسات الصادرة عن معاهد مختلفة، على غرار الدراسة التي نشرتها مؤسّسة "رولاند برغر" الاستشاريّة عام 2008، إلى أنّ السياحة العربيّة دخلت في مرحلة الانحسار، وفقدت قدرتها التنافسيّة أمام وجهات سياحيّة جديدة استطاعت تطوير خدماتها ومنتوجاتها لتحتكر سوق السياحة العالميّة.

قفزات نوعية

وقد جاء في الدراسة المذكورة أنّ الدول المنافسة استطاعت تحقيق قفزات نوعيّة في هذا المجال عبر خلق أنماط سياحيّة جديدة، وتجهيز بنى تحتيّة متطوّرة، في حين ظلّت الوجهات السياحيّة العربيّة تعتمد على الترفيه الشاطئيّ والفندقة، نتيجة المفاهيم الخاطئة لدى المسؤولين، التي اختزلت السياحة بالفنادق. كما اعتبرت الدراسة أن الحكومات والوزارات المعنيّة بالقطاع السياحيّ تتحمّل قسطاً كبيراً من المسؤوليّة نظراً لغياب استراتيجيّة واضحة ومحدّدة إضافة إلى غياب القدرة على التحرّك السريع والاستجابة لمتغيّرات السوق السياحيّة والحاجات الجديدة للسائح العصريّ الذي لم يعد يكتفي بالشاطئ، بل بات يبحث من خلال رحلاته عن تجارب ثقافيّة جديدة.
وفي هذا السياق، تؤكّد المعطيات الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي في العام 2013، أنّ الدول العربيّة احتلّت قبل العام 2011 مراكز متواضعة على مستوى المؤشّرات التنافسية السياحيّة. حيث حلّ الأردن في العام 2009 في المركز 54، أما الجزائر فكان ترتيبها 115 من أصل 133 دولة، إضافة إلى تونس التي احتلت المركز 44 ومصر المركز 64.
يشير فيصل شيّاد، الخبير الاقتصادي وأستاذ العلوم الاقتصادية والتجاريّة في الجزائر، إلى أنّ حصّة الدول العربيّة من السوق السياحية العالمية لم تستطع أن تتجاوز 5% خلال السنوات الخمس الماضية. كما سجلت نسبة السياح الوافدين إلى مصر والأردن وتونس تراجعاً متواصلاً بلغ 5% سنوياً، حيث لم تنجح الدول العربية مجتمعة في أن تستقطب سوى 52 مليون سائح عام 2015، في حين بلغت حصّة الدول الأوروبيّة من العام نفسه 542 مليون سائح.
ويقول شياد: "إنّ دول الخليج استطاعت أن تخلق الاستثناء في الواقع المتدهور للقطاع، إذ تمكنت الإمارات العربية المتحدة من المحافظة على نموّ هذا القطاع بفعل عوامل عديدة، كما استطاعت دول على غرار قطر والكويت خلق أنماط سياحيّة جديدة على غرار سياحة المهرجانات والتسوّق والألعاب الرياضيّة، مع العمل على تطوير البنية التحتيّة من فنادق وطرقات وفضاءات ترفيهيّة".

غياب التنويع 

أمّا عن أسباب وارتدادات تدهور القطاع السياحيّ، فيؤكّد شيّاد في هذا الإطار، أنّ الأردن يدفع باهظاً ثمن أزمة القطاع السياحيّ، إذ انخفض الدخل السياحي لعام 2015 بأكثر من 300 مليون دولار، أي بما نسبته 1.17% مقارنة بمستواه في العام 2014. وتكمن خطورة هذا الانخفاض في حجم مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحليّ الخام والبالغ 22.5%، والذي يوظّف 18% من اليد العاملة.

ويعود سبب هذا التراجع، بحسب الخبير شيّاد، لعوامل هيكليّة بالأساس، حيث لم يستطع الأردن خلق أنماط سياحيّة جديدة بهدف تنويع شريحة الوافدين إليه. إذ ظلّ يعتمد على السياحة الشاطئيّة العلاجيّة في البحر الميّت والمعالم الأثريّة. في حين
لا تزال عمليّة تطوير البنى التحتيّة تسير بنسق بطيء نظراً لغياب التمويلات اللازمة.
"الوضع في مصر لا يختلف كثيراً عن نظيره الأردنيّ، حيث تراجع ترتيب مصر عالمياً في مؤشّر التنافسية من المركز 75 عام 2011 إلى المركز 85 عام 2013"، وفق ما يؤكده شيّاد. هذا، وأشارت وزارة السياحة المصريّة إلى تراجع عدد السياح خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي ليبلغ 909.4 آلاف سـائح، مقابل مليون سائح خلال الفترة نفسها من العام 2014، بنسبة انخفاض قدّرت بنحو 9.3%.
ويعزو شياد أسباب هذا الانخفاض إلى العوائق السياسيّة والاقتصاديّة والأمنية. إذ يخضع أصحاب النُّزُل إلى ضغوطات لا تنتهي، تبدأ من المصارف وتصل إلى التدخّل السياسيّ والفساد المرتبط بالمسؤولين عن القطاع.
ويضيف: "رغم حجم مساهمة القطاع السياحي المصري في التشغيل بحصّة فاقت 3 ملايين عامل في هذا المجال، إضافة إلى مساهمة القطاع السياحي بنحو 15% من الناتج المحلي الخام، إلا أنّ الحكومة المصرية لم تضع استراتيجية واضحة لإنقاذ هذا القطاع".
من جهته، يؤكد علي سلامي، الخبير في إدارة الفنادق، أنّ السياحة التونسيّة التي توفّر ما يزيد عن 400 ألف منصب شغل، تساهم بتغطية 60% من عجز الميزان التجاري، تشهد أزمة خانقة منذ عقد من الزمن، حيث لا تستقطب تونس سوى 1% من إجمالي عدد السياح عالمياً.
ويدفع القطاع السياحي، بحسب سلامي، فاتورة أخطاء المسؤولين عن القطاع منذ ثلاثة عقود أو أكثر، حيث أدّى الاعتماد المفرط على السياحة الشاطئيّة إلى فقر المنتجات المقدّمة للسائح، إضافة إلى اقتصار السياحة التونسيّة على أشهر الصيف، ليدخل القطاع مرحلة من الركود طوال العام.
ويضيف: "إن الترضيات السياسيّة، خصوصاً في التعيينات البلدية، أضرّ بالقطاع، فأغلب رؤساء بلديات المناطق السياحيّة ليسوا من أهل القطاع، ولم تكن لهم دراية بمختلف متطلّبات القطاع السياحيّ، كما ساهم الانفلات الأمني وتنامي ظاهرة الإرهاب في تأزيم الوضع".
أما على صعيد التعامل الرسمي مع القطاع السياحي، فقد تجاهل المسؤولون المشاكل المتراكمة ولم تكن لهم رؤى أو تصوّر لإنقاذ السياحة التونسيّة رغم نجاح الثورة التونسيّة، والتي كان من الممكن أن تنقذ القطاع لو تمّ وضع خطط عمليّة لاستثمار هذا الإنجاز والاهتمام الدولي بتونس آنذاك.

اقرأ أيضاً:تونس بعيون سيّاح كسروا طوق الفنادق
المساهمون