رقابة في اليمن؟

29 فبراير 2016
محاولات للقضاء على الفساد (محمد حويس/ فرانس برس)
+ الخط -
لا وجود لدراسات دقيقة عن حجم الفساد في اليمن، إلا أن هذا البلد يغرق في الصفقات، وفقاً للتقارير الدولية، حيث يُعد اليمن من أكثر بلدان العالم فساداً، حسب مؤشر مدركات الشفافية العالمية. يعيش اليمن حالة من التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لا تسمح للمجتمع المدني أن يقوم بدوره الحقيقي في مكافحة الفساد، ويعمد النظام الحاكم إلى إنتاج هيئات وأجهزة لمكافحة الفساد تخضع لسلطته. تتعدد هذه الأجهزة، ومنها الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، الجهاز المركزي للمراقبة والمحاسبة، الهيئة العليا للرقابة على المناقصات والمزايدات، اللجنة العليا للرقابة على المناقصات، وغيرها.
ويقول الخبير الاقتصادي مرزوق الصلوي، لـ"العربي الجديد"، إن السلطة هي نفسها من أنشأت هذه الجهات التي تدّعي أنها تكافح الفساد، وذلك لتسطيح أو شرعنة أو تنقية الفساد الذي يمارسه الحاكم. ويؤكد الصلوي من جهة أخرى أن الجهات الرقابية تحتاج إلى إمكانيات كبيرة لاكتشاف الفساد، ولا يمكن توفير هذه الإمكانيات إلا من خلال الحكومة، الأمر الذي يجعلها تنضوي تحت جناح السلطة لممارسة أنشطتها، وهو ما يجعلها غير قادرة على مكافحة الفساد في مؤسسات الدولة التي تُموّلها. ويطالب الصلوي بأن تكون سلطات مكافحة الفساد ذات تمويل مستقل بعيداً عن الحاكم، وأن لا تخضع على الإطلاق لأي ابتزاز أو ضغوط من قبل السلطة.
كما يشير إلى أنه في حال تم الاعتماد على التمويلات الخارجية لجميعات مكافحة الفساد، فهي الأخرى تخضع لاشتراطات كبيرة من قبل الدولة، حيث لا يمكن لهذه المنظمات المانحة العمل إلا وفق ترخيص من قبل وزارة التخطيط اليمنية.

إرادة غائبة 

من جانبها، تقول النائبة السابقة لرئيس الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، الدكتورة بلقيس أبو أصبع، لـ"العربي الجديد"، إن مكافحة الفساد في اليمن مرتبطة بالإرادة السياسية الحقيقية، وفي الوقت ذاته يغيب المجتمع المدني القوي، الأمر الذي يصعّب هذه العملية. وتطالب أبو أصبع بتوفير البيئة المناسبة لمكافحة الفساد، وأن يصاحب ذلك إرادة سياسية تهيئ هذا المناخ، من خلال اتخاذ القرارات بإدماج برامج مكافحة الفساد في المناهج التعليمية، وبما يخلق وعياً مجتمعياً يساهم في تقوية أداء الجهات العاملة في هذا المضمار، فضلاً عن تنقية البيئة التشريعية والقانونية من القيود التي لا تؤسس لمكافحة حقيقية للفساد، والتوجه نحو تمكين المجتمع المدني من القيام بدوره في هذا المجال بحيادية واستقلالية.
في السياق ذاته، يقول الباحث الاقتصادي ياسين التميمي، لـ"العربي الجديد"، إن الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد منذ تأسيسها كشفت عن نوايا النظام السابق الذي حكم اليمن أكثر من ثلاثة عقود. حيث هدف هذا النظام إلى جعل الهيئة ملحقة بإدارته على الرغم من طبيعتها المستقلة، وذلك عبر صياغة قانون ناظم لأعمال الهيئة فيه الكثير من الثغرات، وكذلك من خلال إيكال إدارة الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد لأناس مقربين من النظام الحاكم أو من يرفضون المواجهة. لا بل يصدر قرار إنشاء هذه الهيئات وتعيين قياداتها وأعضائها من قبل رئاسة الجمهورية، ومن تلك الجهات الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الذي لا يمكن له أن يمارس دوره ويراقب ويكشف الفساد في رئاسة الدولة المُعيّن من قبلها.
ويتوقف دوره عند مراقبة أداء مؤسسات الدولة، إلا أنه بصورته الهزيلة لا يقدر على مواجهة الفساد والتصدي له، وفي حال استطاع تقديم ملفات فساد على جهة معينة يرفعها إلى رئاسة الدولة التي تستخدم هذه الملفات لضغوط سياسية.
ويعتبر التميمي أن الهيمنة على منظومة مكافحة الفساد من قبل السلطة انتقلت إلى المجتمع المدني الذي ظهر فيه عدد من الجمعيات تشبه المقاولين الحصريين الذين يستأثرون بأموال الإعانات الخارجية في ممارسات لا تدخل أبداً في إطار مهمة كشف الممارسات الفاسدة. بل إن هذه المنظمات تحولت إلى منظومة فساد ومحسوبية وأصبحت عبئاً حقيقياً على جهود مكافحة الفساد. ويشير التميمي إلى أن اليمن لم يشهد خلال الفترة الماضية أية خطوة جدية نحو مكافحة الفساد، لا على المستوى الرسمي ولا على مستوى المجتمع المدني، بسبب التضييق الذي مارسته أجهزة السلطة القمعية.

اقرأ أيضاً:بلقيس أبو أصبع:سيطرة المسلحين على اليمن زادت رقعة الفساد
المساهمون